Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 170-170)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { يا أيُّها النَّاسُ } مشركي العرب ، وسائر أصناف الكفر . { قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ } يعنى : مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، قد جاءكم { بـالـحَقّ مِنْ رَبِّكُمْ } يقول : بـالإسلام الذى ارتضاه الله لعبـاده ديناً ، يقول : من ربكم : يعنـي من عند ربكم . { فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ } يقول : فصدقوه وصدقّوا بـما جاءكم به من عند ربكم من الدين ، فإن الإيـمان بذلك خير لكم من الكفر به . { وَإنْ تَكْفُرُوا } يقول : وإن تـجحدوا رسالته ، وتكذّبوا به وبـما جاءكم به من عند ربكم ، فإن جحودكم ذلك وتكذيبكم به لن يضرّ غيركم ، وإنـما مكروه ذلك عائد علـيكم دون الله الذي أمركم بـالذي بعث به إلـيكم رسوله مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن { لِلّهِ ما فِـي السَّمَوَاتِ والأرْضِ } ملكاً وخـلقاً ، لا ينقص كفركم بـما كفرتـم به من أمره ، وعصيانكم إياه فـيـما عصيتـموه فـيه من ملكه وسلطانه شيئاً . { وكانَ اللَّهُ عَلِـيـماً حَكِيـماً } يقول : وكان الله علـيـماً بـما أنتـم صائرون إلـيه من طاعته فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه ومعصيته فـى ذلك ، وعلـى علـم منه بذلك منكم أمركم ونهاكم . { حَكِيـماً } يعنـي : حكيـماً فـى أمره إياكم بـما أمركم به وفـي نهيه إياكم عما نهاكم عنه ، وفـي غير ذلك من تدبـيره فـيكم وفـي غيركم من خـلقه . واختلف أهل العربـية فـي الـمعنى الذي من أجله نصب قوله : { خَيْراً لَكُمْ } فقال بعض نـحويـي الكوفة : نصب خيراً علـى الـخروج مـما قبله من الكلام ، لأن ما قبله من الكلام قد تـم ، وذلك قوله : { فَآمِنُوا } ، وقال : قد سمعت العرب تفعل ذلك فـي كل خبر كان تامًّا ثم اتصل به كلام بعد تـمامه علـى نـحو اتصال « خير » بـما قبله ، فتقول : لتقومنّ خيراً لك ، ولو فعلت ذلك خيراً لك ، واتق الله خيراً لك . قال : وأما إذا كان الكلام ناقصاً ، فلا يكون إلا بـالرفع كقولك : إن تتق الله خير لك ، و { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ النساء : 25 ] . وقال آخر منهم : جاء النصب فـي « خير » ، لأن أصل الكلام : فآمنوا هو خير لكم ، فلـما سقط « هو » الذي هو مصدر اتصل الكلام بـما قبله ، والذي قبله معرفة و « خير » نكرة ، فـانتصب لاتصاله بـالـمعرفة ، لأن الإضمار من الفعل : قم فـالقـيام خير لك ، ولا تقم فترك القـيام خير لك فلـما سقط اتصل بـالأوّل . وقال : ألا ترى أنك ترى الكناية عن الأمر تصلـح قبل الـخبر ، فتقول للرجل : اتق الله هو خير لك ، أي الاتقاء خير لك . وقال : لـيس نصبه علـى إضمار « يكن » ، لأن ذلك يأتـي بقـياس يبطل هذا ، ألا ترى أنك تقول : اتق الله تكن مـحسناً ، ولا يجوز أن تقول : اتق الله مـحسناً ، وأنت تضمر « كان » ، ولا يصلـح أن تقول : انصرنا أخانا ، وأنت تريد : تكن أخانا . وزعم قائل هذا القول أنه لا يجيز ذلك إلا فـي « أَفْعَل » خاصة ، فتقول : افعل هذا خيراً لك ، ولا تفعل هذا خيراً لك وأفضلَ لك ولا تقول : صلاحاً لك . وزعم أنه إنـما قـيـل مع « أفعل » ، لأن « أفعل » يدلّ علـى أن هذا أصلـح من ذلك . وقال بعض نـحويـي البصرة : نصب « خيراً » لأنه حين قال لهم : آمنوا ، أمرهم بـما هو خير لهم ، فكأنه قال : اعملوا خيراً لكم ، وكذلك : انتهوا خيراً لكم ، قال : وهذا إنـما يكون فـي الأمر والنهي خاصة ، ولا يكون فـي الـخبر ، لا تقول : أن أنتهي خيراً لـي ، ولكن يرفع علـى كلامين لأن الأمر والنهي يضمر فـيهما ، فكأنك أخرجته من شيء إلـى شيء ، لأنك حين قلت له انْتَهِ ، كأنك قلت له : أخرج من ذا ، وادخـل فـي آخر واستشهد بقول الشاعر عمر بن أبـي ربـيعة : @ فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتـيْ مالِكٍ أوِ الرُّبـا بَـيْنَهُما أسْهَلا @@ كما تقول : واعديه خيراً لك . قال : وقد سمعت نصب هذا فـي الـخبر ، تقول العرب : آتـي البـيت خيراً لـي وأتركه خيراً لـي ، وهو علـى ما فسرت لك فـي الأمر والنهي . وقال آخر منهم : نصب « خيراً » بفعل مضمر ، واكتفـى من ذلك الـمضمر بقوله : لا تفعل هذا وافعل الـخير ، وأجازه فـي غير « أفعل » ، فقال : لا تفعل ذاك صلاحاً لك . وقال آخر منهم : نصب « خيراً » علـى ضمير جواب : يكن خيراً لكم ، وقال : كذلك كل أمر ونهي .