Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { يَسْتَفْتُونَكَ } يسألونك يا مـحمد أن تفتـيهم فـي الكلالة . وقد بـينا معنى الكلالة فـيـما مضى بـالشواهد الدالة علـى صحته ، وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيه فأغنى ذلك عن إعادته ، وبـينا أن الكلالة عندنا ما عدا الولد والوالد . { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فلَها نِصْفُ ما تَرَكَ } يعنـي بقوله : { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ } : إن إنسان من الناس مات . كما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدّي : { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ } يقول : مات . { لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ } ذكر ولا أنثى { وَلَهُ أُخْتٌ } يعنـي : وللـميت أخت لأبـيه وأمه ، أو لأبـيه . { فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ } يقول : فلأخته التـي تركها بعده بـالصفة التـي وصفنا نصف تركته ميراثاً عنه دون سائر عصبته ، وما بقـي فلعصبته . وذُكر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هَمَّهُم شأن الكلالة ، فأنزل الله تبـارك وتعالـى فـيها هذه الآية . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ فسألوا عنها نبـيّ الله ، فأنزل الله فـي ذلك القرآن : { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ } فقرأ حتـى بلغ : { وَاللَّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ } . قال : وذكر لنا أن أبـا بكر الصدّيق رضي الله عنه قال فـي خطبته : ألا إن الآية التـي أنزل الله فـي أوّل سورة النساء فـي شأن الفرائض أنزلها الله فـي الولد والوالد ، والآية الثانـية أنزلها فـي الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التـي ختـم بها سورة النساء أنزلها فـي الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التـي ختـم بها سورة الأنفـال أنزلها فـي { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 75 ] مـما جرَّت الرحم من العَصَبة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن الشيبـانـي ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن الـمسيب ، قال : سأل عمر بن الـخطاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن الكلالة ، فقال : " ألَـيْسَ قَدْ بَـيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ ؟ " قال فنزلت : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } . حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام ، قال : ثنا إسماعيـل بن إبراهيـم ، عن هشام الدَّستوائيّ ، قال : ثنا أبو الزبـير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : اشتكيت وعندي تسع أخوات لـي أو سبع « أبو جعفر الذي يشكّ » فدخـل علـيّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فنفخ وجهي ، فأفقت وقلت : يا رسول الله ، ألا أوصي لأخواتـي بـالثلث ؟ قال : « أحْسَنُ » ، قلت : الشطر ؟ قال : « أحْسَنُ » . ثم خرج وتركنـي ، ثم رجع إلـيّ فقال : " يا جابِرُ إنّـي لا أُرَاكَ مَيِّتاً مِنْ وَجَعِكَ هَذَا ، وَإنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ فِـي الَّذِي لاخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَـيْنِ " قال : فكان جابر يقول : أنزلت هذه الآية فـيّ : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن هشام ، يعنـي الدَّستوائيّ ، عن أبـي الزبـير ، عن جابر ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سفـيان بن عيـينة ، عن ابن الـمنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : مرضت فأتانـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم يعودنـي هو وأبو بكر ، وهما ماشيان ، فوجدونـي قد أغمى علـيّ ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صبّ علـيّ من وَضوئه ، فأفقت ، فقلت : يا رسول الله كيف أقضي فـي مالـي ، أو كيف أصنع فـي مالـي ؟ وكان له تسع أخوات ولـم يكن له والد ولا ولد . قال : فلـم يجبنـي شيئاً حتـى نزلت آية الـميراث : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } … إلـى آخر السورة . قال ابن الـمنكدر : قال جابر : إنـما أنزلت هذه الآية فـيّ . وكان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذه الآية هي آخر آية أنزلت من القرآن . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسين بن واقد ، عن أبـي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : سمعته يقول : إن آخر آية نزلت من القرآن : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن ابن أبـي خالد ، عن أبـي إسحاق ، عن البراء ، قال : آخر آية نزلت من القرآن : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } . حدثنا مـحمد بن خـلف ، قال : ثنا عبد الصمد بن النعمان ، قال : ثنا مالك بن مِغْول ، عن أبـي السَّفَر ، عن البراء ، قال : آخر آية نزلت من القرآن : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } . حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـيّ ، قال : ثنا مصعب بن الـمقدام ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن أبـي إسحاق ، عن البراء ، قال : آخر سورة نزلت كاملة براءة ، وآخر آية نزلت خاتـمة سورة النساء : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } . واختلف فـي الـمكان الذي نزلت فـيه الآية ، فقال جابر بن عبد الله : نزلت فـي الـمدينة . وقد ذكرت الرواية بذلك عنه فـيـما مضى بعضها فـي أوّل السورة عند فـاتـحة آية الـمواريث ، وبعضها فـي مبتدإ الإخبـار عن السبب الذي نزلت فـيه هذه الآية . وقال آخرون : بل أنزلت فـي مسير كان فـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مـحمد بن حميد ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : نزلت : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } والنبـيّ فـي مسير له ، وإلـى جنبه حذيفة بن الـيـمان ، فبلَّغها النبـيّ صلى الله عليه وسلم حذيفة ، وبلّغها حذيفة عمر بن الـخطاب وهو يسير خـلفه . فلـما استـخـلف عمر سأل عنها حذيفة ، ورجا أن يكون عنده تفسيرها ، فقال له حذيفة : والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تـحملنـي أن أحدثك فـيها بـما لـم أحدثك يومئذ فقال عمر : لـم أرد هذا رحمك الله . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين بنـحوه ، إلا أنه قال فـي حديثه : فقال له حذيفة : والله إنك لأحمق إن ظننت . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، قال : ثنا ابن عون ، عن مـحمد بن سيرين ، قال : كانوا فـي مسير ورأس راحلة حذيفة عند ردف راحلة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأس راحلة عمر ردف راحلة حذيفة قال : ونزلت : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } فلقَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ، فلقاها حذيفة عمر . فلـما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة ، فقال : والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقّانـيها رسول الله فلقـيتكها كما لقانـيها ، والله لاأزيدك علـيها شيئاً أبداً قال : وكان عمر يقول : اللهمّ إن كنت بـينتها له ، فإنها لـم تبـين لـي . واختلف عن عمر فـي الكلالة ، فرُوي عنه أنه قال فـيها عند وفـاته : هو من لا ولد له ولا والد . وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فـيـما مضى فـي أول هذه السورة فـي آية الـميراث . ورُوي عنه أنه قال قبل وفـاته : هو ما خلا الأب . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن عرفة ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سالـم بن أبـي الـجعد ، عن مَعْدان بن أبـي طلـحة الـيعمريّ ، قال : قال عمر بن الـخطاب : ما أغلظ لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ما نازعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي شيء ما نازعته فـي آية الكلالة ، حتـى ضرب صدري ، وقال : " يَكْفِـيكَ مِنْها آيَةُ الصَّيْفِ الّتـي أُنْزِلَتْ فـي آخِرِ سُوَرةِ النّسَاءِ { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ } " وسأقضي فـيها بقضاء يعلـمه من يقرأ ومن لا يقرأ : هو ما خلا الأب كذا أحسب قال ابن عرفة قال شبـابة : الشكّ من شعبة . ورُوي عنه أنه قال : إنـي لأستـحيـي أن أخالف فـيه أبـا بكر . وكان أبو بكر يقول : هو ما خلا الولد والوالد ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه فـيـما مضى فـي أوّل السورة . ورُوي عنه أنه قال عند وفـاته : قد كنت كتبت فـي الكلالة كتابـاً وكنت أستـخير الله فـيه ، وقد رأيت أن أترككم علـى ما كنتـم علـيه . وأنه كان يتـمنى فـي حياته أن يكون له بها علـم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مـحمد بن حميد الـمعمري ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن الـمسيب : أن عمر بن الـخطاب كتب فـي الـجَدّ والكلالة كتابـاً ، فمكث يستـخير الله فـيه ، يقول : اللهمّ إن علـمت فـيه خيراً فأمضه حتـى إذا طُعِنَ دعا بـالكتاب فمـحي ، فلـم يدر أحد ما كتب فـيه ، فقال : إنـي كنت كتبت فـي الـجدّ والكلالة كتابـاً وكنت أستـخير الله فـيه ، فرأيت أن أترككم علـى ما كنتـم علـيه . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن الزهري ، عن سعيد بن الـمسيب ، عن عمر ، بنـحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، قال : ثنا عمرو بن مرّة ، عن مرّة الهمدانـيّ ، قال : قال عمر : ثلاث لأن يكون النبـيّ صلى الله عليه وسلم بَـيَّنَهنّ لنا أحبّ إلـيّ من الدنـيا وما فـيها : الكلالة ، والـخلافة ، وأبواب الربـا . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام ، قال : ثنا الأعمش ، قال : سمعتهم يذكرون ، ولا أرى إبراهيـم إلا فـيهم ، عن عمر قال : لأن أكون أعلـم الكلالة أحبّ ألـيّ من أن يكون لـي مثل جزية قصور الروم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام ، قال : ثنا الأعمش ، عن قـيس بن مسلـم ، عن طارق بن شهاب ، قال : أخذ عمر كتفـاً ، وجمع أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : لأقضينّ فـي الكلالة قضاء تـحدّث به النساء فـي خدورهنّ فخرجت حينئذ حية من البـيت ، فتفرّقوا ، فقال : لو أراد الله أن يتـمّ هذا الأمر لأتـمه . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : ثنا أبو حيان ، قال : ثنـي الشعبـيّ ، عن ابن عمر ، قال : سمعت عمر بن الـخطاب يخطب علـى منبر الـمدينة ، فقال : أيها الناس : ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـم يفـارقنا حتـى يعهد إلـينا فـيهنّ عهداً يُنتهَى إلـيه : الـجدّ ، والكلالة ، وأبواب الربـا . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، عن سعيد بن أبـي عَروبة ، عن قتادة ، عن سالـم بن أبـي الـجعد ، عن معدان بن أبـي طلـحة ، أن عمر بن الـخطاب ، قال : ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مـما سألت عن الكلالة ، حتـى طعن بأصبعه فـي صدري ، وقال : " تَكْفِـيكَ آيَةُ الصَّيْفِ التـي فـي آخِرِ سُوَرةِ النّساء " حدثنا إبراهيـم بن سعيد الـجوهري ، قال : ثنا عبد الله بن بكر السهميّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سالـم بن أبـي الـجعد ، عن معدان ، عن عمر ، قال : لـم أدع شيئاً أهمّ عندي من أمر الكلالة ، فما أغلظ لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي شيء ما أغلظ لـي فـيها ، حتـى طعن بأصبعه فـي صدري ، أو قال فـي جنبـي ، فقال : " تَكْفِـيكَ الآيةُ الَّتـي أُنْزِلَتْ فـي آخِرِ النِّسَاءِ " حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا ابن عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سالـم بن أبـي الـجعد ، عن معدان بن أبـي طلـحة ، أن عمر بن الـخطاب خطب الناس يوم الـجمعة ، فقال : إنـي والله ما أدع بعدي شيئاً هو أهمّ إلـيّ من أمر الكلالة ، وقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أغلظ لـي فـي شيء ما أغلظ لـي فـيها ، حتـى طعن فـي نـحري وقال : " تَكْفِـيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الّتـي أُنْزِلَتْ فـي آخِرِ سُورَةِ النَّساءِ " ، وإن أعش أقض فـيها بقضية لا يختلف فـيها أحد قرأ القرآن . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا هشام ، عن قتادة ، عن سالـم بن أبـي الـجعد ، عن معدان بن أبـي طلـحة ، عن عمر بن الـخطاب ، بنـحوه . حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق ، قال : سمعت أبـي يقول : أخبرنا أبو حمزة ، عن جابر ، عن الـحسن بن مسروق ، عن أبـيه ، قال : سألت عمر وهو يخطب الناس عن ذي قرابة لـي ورث كلالة ، فقال : الكلالة ، الكلالة ، الكلالة وأخذ بلـحيته ، ثم قال : والله لأن أعلـمها أحبّ إلـيّ من أن يكون لـي ما علـى الأرض من شيء ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ألـم تسمع الآية التـي أنزلت فـي الصيف ؟ " فأعادها ثلاث مرّات . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي سلـمة ، قال : جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن الكلالة ، فقال : " ألَـمْ تَسْمَعِ الآيَةَ الَّتِـي أُنْزِلَتْ فِـي الصَّيْفِ ، { وَإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً } " … إلـى آخر الآية . حدثنـي مـحمد بن خـلف ، قال : ثنا إسحاق بن عيسى ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبـي حبـيب ، عن أبـي الـخير : أن رجلاً سأل عقبة عن الكلالة ، فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ يسألنـي عن الكلالة ، وما عضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة . قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما وجه قوله جلّ ثناؤه : { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ } ولقد علـمت اتفـاق جميع أهل القبلة ما خلا ابن عبـاس وابن الزبـير ، علـى أن الـميت لو ترك ابنة وأختاً ، أن لابنته النصف ، وما بقـي فلأخته إذا كانت أخته لأبـيه وأمه أو لأبـيه ؟ وأين ذلك من قوله : { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ } وقد ورّثوها النصف مع الولد ؟ قـيـل : إن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه ، إنـما جعل الله جلّ ثناؤه بقوله : { إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ } إذا لـم يكن للـميت ولد ذكر ولا أنثى وكان موروثاً كلالة ، النصف من تركته فريضة لها مسماة فأما إذا كان للـميت ولد أنثى فهي مع عصبة يصير لها ما كان يصير للعصبة غيرها لو لـم تكن ، وذلك غير مـحدود بحدّ ، ولا مفروض لها فرض سهام أهل الـميراث بـميراثهم عن ميتهم . ولـم يقل الله فـي كتابه : فإن كان له ولد فلا شيء لأخته معه ، فـيكون لـما رُوي عن ابن عبـاس وابن الزبـير فـي ذلك وجه يوجه إلـيه ، وإنـما بـين جلّ ثناؤه مبلغ حقها إذا ورث الـميت كلالة وترك بـيان مالها من حقّ إذا لـم يورث كلالة فـي كتابه وبـينه بوحيه علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فجعلها عصبة مع إناث ولد الـميت ، وذلك معنى غير معنى وراثتها الـميت إذا كان موروثاً كلالة . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَهُوَ يَرِثُها إنْ لَـمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } . يعنـي جلّ ثناؤه بذلك : وأخو الـمرأة يرثها إن ماتت قبله إذا وُرثت كلالة ولـم يكن لها ولد ولا والد . القول فـي تأويـل قوله : { فإنْ كانَتا اثْنَتَـيْنِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِـمَّا تَرَكَ وَإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فللذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَـيَـيْنِ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ كانَتا اثْنَتَـيْنِ } : فإن كانت الـمتروكة من الأخوات لأبـيه وأمه أو لأبـيه اثنتـين ، فلهما ثلثا ما ترك أخوهما الـميت إذا لـم يكن له ولد وورث كلالة . { وَإنْ كانُوا إخْوَةً } يعنـي : وإن كان الـمتروكون من إخوته رجالاً ونساء . { فللذَّكَرِ } منهم بـميراثهم عنه من تركته { مِثْلَ حَظّ الأُنْثَـيَـيْنِ } يعنـي : مثل نصيب اثنتـين من أخواته ، وذلك إذا ورث كلالة ، والإخوة والأخوات إخوته وأخواته لأبـيه وأمه ، أو لأبـيه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : يبـين الله لكم قسمة مواريثكم ، وحكم الكلالة ، وكيف فرائضهم { أنْ تَضِلُّوا } بـمعنى : لئلا تضلوا فـي أمر الـمواريث وقسمتها : أي لئلا تـجوروا عن الـحقّ فـي ذلك ، وتـخطئوا الـحكم فـيه ، فتضلوا عن قصد السبـيـل . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } قال : فـي شأن الـمواريث . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مـحمد بن حميد الـمعمري ، وحدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قالا جميعاً : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : كان عمر إذا قرأ : { يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } قال : اللهمّ من بـينتَ له الكلالة فلـم تبـيَّن لـي . قال أبو جعفر : وموضع « أن » فـي قوله : { يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } نصب فـي قول بعض أهل العربـية لاتصالها بـالفعل ، وفـي قول بعضهم خفض ، بـمعنى : يبـين الله لكم بأن لا تضلوا ، ولئلا تضلوا وأسقطت « لا » من اللفظ وهي مطلوبة فـي الـمعنى ، لدلالة الكلام علـيها ، والعرب تفعل ذلك ، تقول : جئتك أن تلومنـي ، بـمعنى : جئتك أن لا تلومنـي ، كما قال القطاميّ فـي صفة ناقة : @ رأيْنا ما يَرَى البُصَرَاءُ فِـيها فَآلَـيْناعَلَـيْها أنْ تُبـاعَا @@ بـمعنى : ألا تبـاع . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَاللَّهُ بِكُلّ شَيّءٍ عَلِـيـمٌ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : وَاللَّهُ بكُلّ شَيْءٍ من مصالـح عبـاده فـي قسمة مواريثهم وغيرها وجميع الأشياء { عَلِـيـمٌ } يقول : هو بذلك كله ذو علـم . آخر تفسير سورة النساء ، والـحمد لله ربّ العالـمين .