Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 66-66)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْكُمْ أَن ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } : ولو أنا فرضنا على هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك المحتكمين إلى الطاغوت أن يقتلوا أنفسهم ، وأمرناهم بذلك ، أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دار أخرى سواها ما فعلوه ، يقول : ما قتلوا أنفسهم بأيديهم ، ولا هاجروا من ديارهم فيخرجوا عنها إلى الله ورسوله طاعة لله ولرسوله ، إلا قليل منهم . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } هم يهود يعني : والعرب كما أمر أصحاب موسى عليه السلام . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ } كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر لم يفعلوا إلا قليل منهم . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من يهود ، فقال اليهودي : والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم ، فقتلنا أنفسنا ! فقال ثابت : والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا ! فأنزل الله في هذا : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو زهير ، عن إسماعيل ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : لما نزلت : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا ! فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجالاً الإيمَانُ أثْبَتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجِبالِ الرَّوَاسِي " واختلف أهل العربية في وجه الرفع في قوله : { إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } فكان بعض نحويـي البصرة يزعم أنه رفع « قليل » لأنه جعل بدلاً من الأسماء المضمرة في قوله : { مَّا فَعَلُوهُ } لأن الفعل لهم . وقال بعض نحويـي الكوفة : إنما رفع على نية التكرير ، كأن معناه : ما فعلوه ما فعله إلا قليل منهم ، كما قال عمرو بن معد يكرب : @ وكُلُّ أخٍ مُفارِقُهُ أخُوهُ لَعَمْرُ أبيكَ إلاَّ الفَرْقَدَانَ @@ وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : رفع « القليل » بالمعنى الذي دلّ عليه قوله : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } وذلك أن معنى الكلام : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم . فقيل : « ما فعلوه » على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } [ النساء : 60 ] ، ثم استثنى القليل ، فرُفع بالمعنى الذي ذكرنا ، إذ كان الفعل منفيًّا عنه . وهي في مصاحف أهل الشام : « ما فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ » . وإذا قرىء كذلك ، فلا مردّ به على قارئه في إعرابه ، لأنه المعروف في كلام العرب ، إذ كان الفعل مشغولاً بما فيه كناية من قد جرى ذكره ، ثم استثني منهم القليل . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } . يعني جلّ ثناؤه بذلك : ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وهم يتحاكمون إلى الطاغوت ، ويصدّون عنك صدوداً ، { فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } يعني : ما يذكرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره ، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } في عاجل دنياهم وآجل معادهم ، { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } وأثبت لهم في أمورهم ، وأقوم لهم عليها . وذلك أن المنافق يعمل على شكّ ، فعمله يذهب باطلاً ، وغناؤه يضمحلّ فيصير هباء ، وهو بشكه يعمل على وناء وضعف ، ولو عمل على بصيرة لاكتسب بعمله أجراً ولكان له عند الله ذخراً وكان على عمله الذي يعمل أقوى لنفسه وأشدّ تثبيتاً لإيمانه بوعد الله على طاعته وعمله الذي يعمله . ولذلك قال من قال : معنى قوله : { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } : تصديقاً . كما : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } قال : تصديقاً ، لأنه إذا كان مصدّقاً كان لنفسه أشدّ تثبيتاً ولعزمه فيه أشدّ تصحيحاً . وهو نظير قوله جلّ ثناؤه : { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } [ البقرة : 265 ] وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه بما فيه كفاية من إعادته .