Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 10-11)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : إن الذين كفروا بالله ينادون في النار يوم القيامة إذا دخلوها ، فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعدّ الله لهم فيها من أنواع العذاب ، فيقال لهم : لَمَقْتُ الله إياكم أيها القوم في الدنيا ، إذ تدعون فيها للإيمان بالله فتكفرون ، أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم لما حلّ بكم من سخط الله عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { لَمَقْتُ الله أكْبَرُ } قال : مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم ، ومقت الله إياهم في الدنيا ، إذ يدعون إلى الإيمان ، فيكفرون أكبر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ إذْ تُدْعونَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ } يقول : لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا ، فتركوه ، وأبوا أن يقبلوا ، أكبرُ مما مقتوا أنفسهم ، حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدّي قوله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادُوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ } في النار { إذْ تَدْعُونَ إلى الإيمانِ } في الدنيا { فَتَكْفُرُونَ } . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { يُنَادُونَ لَمَقْتُ اللَّهِ } … الآية ، قال : لما دخلوا النار مقتوا أنفسهم في معاصي الله التي ركبوها ، فنُودوا : إن مقت الله إياكم حين دعاكم إلى الإسلام أشدّ من مقتكم أنفسكم اليوم حين دخلتم النار . واختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في قوله : { لَمَقْتُ اللَّهِ أكْبَرُ } فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة : هي لام الابتداء ، كأن ينادون يقال لهم ، لأن في النداء قول قال : ومثله في الإعراب يقال : لزيد أفضل من عمرو . وقال بعض نحوييِّ الكوفة : المعنى فيه : ينادون إن مقت الله إياكم ، ولكن اللام تكفي من أن تقول في الكلام : ناديت أنّ زيداً قائم ، قال : ومثله قوله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينِ } اللام بمنزلة « إن » في كلّ كلام ضارع القول مثل ينادون ويخبرون ، وأشباه ذلك . وقال آخر غيره منهم : هذه لام اليمين ، تدخل مع الحكاية ، وما ضارع الحكاية لتدلّ على أن ما بعدها ائتناف . قال : ولا يجوز في جوابات الأيمان أن تقوم مقام اليمين ، لأن اللام كانت معها النون أو لم تكن ، فاكتفى بها من اليمين ، لأنها لا تقع إلا معها . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : دخلت لتؤذن أن ما بعدها ائتناف وأنها لام اليمين . وقوله : { رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قد أتينا عليه في سورة البقرة ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، ولكنا نذكر بعض ما قال بعضم فيه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أمَتَنَّا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قال : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم ، فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بدّ منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ، فهما حياتان وموتتان . وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } هو قول الله { كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللَّهِ وكُنْتُمْ أمْوَاتاً فأحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجِعُونَ } حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { رَبَّنا أمَتَنَّا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قال : هو كقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللَّهِ وكُنتُمْ أمْوَاتاً } الآية . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله : { أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قال : هي كالتي في البقرة { وكُنْتُمْ أمْوَاتاً فأحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن أبي مالك في هذه الآية { أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قال : خلقتنا ولم نكن شيئاً ثم أمتنا ، ثم أحييتنا . حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك ، في قوله : { أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قالوا : كانوا أمواتاً فأحياهم الله ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم . وقال آخرون فيه ما : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : { أمتَنَّا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قال : أميتوا في الدنيا ، ثم أحيوا في قبورهم ، فسئلوا أو خوطبوا ، ثم أميتوا في قبورهم ، ثم أحيوا في الآخرة . وقال آخرون في ذلك ما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ } قال : خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق ، وقرأ : { وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهورِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ } فقرأ حتى بلغ { المُبْطِلُونَ } قال : فنسّاهم الفعل ، وأخذ عليهم الميثاق ، قال : وانتزع ضلعاً من أضلاع آدم القصرى ، فخلق منه حوّاء ، ذكره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : وذلك قول الله : { يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَق مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً } قال : بثّ منهما بعد ذلك في الأرحام خلقاً كثيراً ، وقرأ : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلُقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ } قال : خلقاً بعد ذلك ، قال : فلما أخذ عليهم الميثاق ، أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم يوم القيامة ، فذلك قول الله : { رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا } ، وقرأ قول الله : { وأخَذْنا مِنْهُم مِيثاقاً غَلِيظاً } قال : يومئذ ، وقرأ قول الله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وأطَعْنا } وقوله : { فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا } يقول : فأقررنا بما عملنا من الذنوب في الدنيا { فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } يقول : فهل إلى خروج من النار لنا سبيل ، لنرجع إلى الدنيا ، فنعمل غير الذي كنا نعمل فيها ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } : فهل إلى كرّة إلى الدنيا .