Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 15-16)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : هو رفيع الدرجات ورفع قوله : { رَفِيعُ الدَّرَجاتِ } على الابتداء ولو جاء نصباً على الردّ على قوله : فادعوا الله ، كان صواباً . { ذُو العَرْشِ } يقول : ذو السرير المحيط بما دونه . وقوله : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ } يقول : ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده . وقد اختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُني به الوحي . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ } قال : الوحي من أمره . وقال آخرون : عُني به القرآن والكتاب . ذكر من قال ذلك : حدثني هارون بن إدريس الأصمّ ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك في قوله : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ } قال : يعني بالروح : الكتاب ينزله على من يشاء . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ } ، وقرأ : { وكذَلكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنا } قال : هذا القرآن هو الروح ، أوحاه الله إلى جبريل ، وجبريل روح نزل به على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقرأ : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ قال : فالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه هي الروح ، ليُنذر بها ما قال الله يوم التلاق ، { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلاَئِكَةُ صَفًّا } قال : الروح : القرآن ، كان أبي يقوله ، قال ابن زيد : يقومون له صفاً بين السماء والأرض حين ينزل جلّ جلاله . وقال آخرون : عُني به النبوّة . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، وفي قول الله : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ } قال : النبوّة على من يشاء . وهذه الأقوال متقاربات المعاني ، وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها . وقوله : { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } يقول : لينذر من يلقي الروح عليه من عباده من أمر الله بإنذاره من خلقه عذاب يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، وهو يوم التلاق ، وذلك يوم القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ التَّلاقِ } من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذّره عباده . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَوْمَ التَّلاقِ } : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق والخلق . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي { يَوْمَ التَّلاق } تلتقي أهل السماء وأهل الأرض . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { يَومْ التَّلاقِ } قال : يوم القيامة . قال : يوم تتلاقى العباد . وقوله : { يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفَى على اللَّهِ منْهُمْ شَيْءٌ } يعني بقوله { يَوْمَ هُمْ بارزُونَ } يعني المنذرين الذين أرسل الله إليهم رسله لينذروهم وهم ظاهرون يعني للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجر ، ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر ، ولكنهم بقاعٍ صفصف لا أَمْتَ فيه ولا عوج . و « هم » من قوله : { يَوْمَ هُمْ } في موضع رفع بما بعده ، كقول القائل : فعلت ذلك يوم الحجاج أمير . واختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها لم تخفض هم بيوم وقد أضيف إليه ؟ فقال بعض نحويي البصرة : أضاف يوم إلى هم في المعنى ، فلذلك لا ينوّن اليوم ، كما قال : { يَوْمَ هُمْ عَلى النَّار يُفْتَنُونَ } وقال : { هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ } ومعناه : هذا يوم فتنتهم ، ولكن لما ابتدأ بالاسم ، وبنى عليه لم يقدر على جرّه ، وكانت الإضافة في المعنى إلى الفتنة ، وهذا إنما يكون إذا كان اليوم في معنى إذ ، وإلا فهو قبيح إلا ترى أنك تقول : ليتك زمن زيدٌ أمير : أي إذ زيد أمير ، ولو قلت : ألقاك زمن زيد أمير ، لم يحسن . وقال غيره : معنى ذلك : أن الأوقات جعلت بمعنى إذ وإذا ، فلذلك بقيت عل نصبها في الرفع والخفض والنصب ، فقال : { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ } فنصبوا ، والموضع خفض ، وذلك دليل على أنه جعل موضع الأداة ، ويجوز أن يعرب بوجوه الإعراب ، لأنه ظهر ظهور الأسماء ألا ترى أنه لا يعود عليه العائد كما يعود على الأسماء ، فإن عاد العائد نوّن وأعرب ولم يضف ، فقيل : أعجبني يوم فيه تقول ، لما أن خرج من معنى الأداة ، وعاد عليه الذكر صار اسماً صحيحاً . وقال : وجائز في إذ أن تقول : أتيتك إذ تقوم ، كما تقول : أتيتك يوم يجلس القاضي ، فيكون زمناً معلوماً ، فأما أتيتك يوم تقوم فلا مؤنة فيه وهو جائز عند جميعهم ، وقال : وهذه التي تسمى إضافة غير محضة . والصواب من القول عندي في ذلك ، أن نصب يوم وسائر الأزمنة في مثل هذا الموضع نظير نصب الأدوات لوقوعها مواقعها ، وإذا أعربت بوجوه الإعراب ، فلأنها ظهرت ظهور الأسماء ، فعوملت معاملتها . وقوله : { لا يَخْفَى على اللَّهِ مِنْهُمْ } أي ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا { شَيْءٌ } . وكان قتادة يقول في ذلك ما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لاَ يَخْفَى على الله مِنْهُمْ شَيْءٌ } ولكنهم برزوا له يوم القيامة ، فلا يستترون بجبل ولا مَدَر . وقوله : { لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ } يعني بذلك : يقول الربّ : لمن الملك اليوم وترك ذكر « يقول » استغناء بدلالة الكلام عليه . وقوله : { لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ } وقد ذكرنا الرواية الواردة بذلك فيما مضى قبل ومعنى الكلام : يقول الربّ : لمن السلطان اليوم ؟ وذلك يوم القيامة ، فيجيب نفسه فيقول : { لِلَّهِ الوَاحِدِ } الذي لا مثل له ولا شبيه { القَهَّارِ } لكلّ شيء سواه بقدرته ، الغالب بعزّته .