Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 18-20)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه : وأنذر يا محمد مشركي قومك يوم الآزفة ، يعني يوم القيامة ، أن يُوافُوا الله فيه بأعمالهم الخبيثة ، فيستحقوا من الله عقابه الأليم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { يَوْمَ الآزِفَةِ } قال : يوم القيامة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ } يوم القيامة . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي { وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ } قال : يوم القيامة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ } قال : يوم القيامة ، وقرأ : { أَزِفَتِ الآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ } وقوله : { إذِ القُلُوبُ لَدَى الحَناجِرِ كاظِمينَ } يقول تعالى ذكره : إذ قلوب العباد من مخافة عقاب الله لدى حناجرهم قد شخصت من صدورهم ، فتعلقت بحلوقهم كاظميها ، يرومون ردّها إلى مواضعها من صدورهم فلا ترجع ، ولا هي تخرج من أبدانهم فيموتوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إذِ القُلُوبُ لَدَى الحَناجِرِ } قال : قد وقعت القلوب في الحناجر من المخافة ، فلا هي تخرج ولا تعود إلى أمكنتها . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { إذِ القُلُوبُ لَدَى الحَناجِرِ كاظِمِينَ } قال : شخصت أفئدتهم عن أمكنتها ، فنشبت في حلوقهم ، فلم تخرج من أجوافهم فيموتوا ، ولم ترجع إلى أمكنتها فتستقرّ . واختلف أهل العربية في وجه النصب { كاظِمِينَ } فقال بعض نحويي البصرة : انتصابه على الحال ، كأنه أراد : إذا القلوب لدى الحناجر في هذه الحال . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : الألف واللام بدل من الإضافة ، كأنه قال : إذا قلوبهم لدى حناجرهم في حال كظمهم . وقال آخر منهم : هو نصب على القطع من المعنى الذي يرجع من ذكرهم في القلوب والحناجر ، المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين . قال : فإن شئت جعلت قطعة من الهاء التي في قوله { وأنْذِرهُمْ } قال : والأوّل أجود في العربية ، وقد تقدم بيان وجه ذلك . وقوله : { ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ } يقول : جلّ ثناؤه : ما للكافرين بالله يومئذ من حميم يحم لهم ، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله ، ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع فيما شفع ، ويُجاب فيما سأل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ } قال : من يعنيه أمرهم ، ولا شفيع لهم . وقوله : { يُطاعُ } صلة للشفيع . ومعنى الكلام : ما للظالمين من حميم ولا شفيع إذا شفع أطيع فيما شفع ، فأجيب وقبلت شفاعته له . وقوله : { يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ } يقول جلّ ذكره مخبراً عن صفة نفسه : يعلم ربكم ما خانت أعين عباده ، وما أخفته صدورهم ، يعني : وما أضمرته قلوبهم يقول : لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدّث به نفسه ، ويضمره قلبه إذا نظر ماذا يريد بنظره ، وما ينوي ذلك بقلبه { وَاللَّهُ يَقْضِي بالحَقّ } يقول : والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها ، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق ، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم ، وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه ، ومسألته عنه بالحُسنى ، والذين ردّدوا النظر ، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدَرت ، جزاءها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عبد الله بن أحمد المَرْوَزِيّ ، قال : ثنا عليّ بن حسين بن واقد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا الأعمش ، قال : ثنا سعيد بن جبير ، عن ابن عباس { يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ } إذا نظرت إليها تريد الخيانة أم لا { وما تُخْفِي الصُّدُورُ } إذا قدرت عليها أتزني بها أم لا ؟ قال : ثم سكت ، ثم قال : ألا أخبركم بالتي تليها ؟ قلت نعم ، قال : { وَاللَّهُ يَقْضِي بالْحَقّ } قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة { إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } قال الحسن : فقلت للأعمش : حدثني الكلبيّ ، إلا أنه قال : إن الله قادر على أن يجزي بالسيئة السيئة ، وبالحسنة عشراً . وقال الأعمش : إن الذي عند الكلبيّ عندي ، ما خرج مني إلا بحقير . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ } قال : نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { خائِنَةَ الأَعْيُنِ } : أي يعلم همزه بعينه ، وإغماضه فيما لا يحبّ الله ولا يرضاه . وقوله : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } يقول : والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك من دونه لا يقضون بشيء ، لأنها لا تعلم شيئاً ، ولا تقدر على شيء ، يقول جلّ ثناؤه لهم : فاعبدوا الذي يقدر على كلّ شيء ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فيجزي محسنكم بالإحسان ، والمسيء بالإساءة ، لا ما لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئاً ، فيعرف المحسن من المسيء ، فيثيب المحسن ، ويعاقب المسيء . وقوله : { إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } يقول : إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس ، البصير بما تفعلون من الأفعال ، محيط بكل ذلك محصيه عليكم ، ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة : « وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ » بالتاء على وجه الخطاب . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء على وجه الخبر . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .