Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-3)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويل في معنى قوله { حم } فقال بعضهم : هو حروف مقطعة من اسم الله الذي هو الرحمن الرحيم ، وهو الحاء والميم منه . ذكر من قال ذلك : حدثني عبد الله بن أحمد بن شبُّويه المروَزي ، قال : ثنا عليّ بن الحسن ، قال : ثني أبي ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : الر ، وحم ، ون ، حروف الرحمن مقطعة . وقال آخرون : هو قسم أقسمه الله ، وهو اسم من أسماء الله . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : { حم } : قسم أقسمه الله ، وهو اسم من أسماء الله . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله { حم } : من حروف أسماء الله . وقال آخرون : بل هو اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { حم } قال : اسم من أسماء القرآن . وقال آخرون : هو حروف هجاء . وقال آخرون : بل هو اسم ، واحتجوا لقولهم ذلك بقول شريح بن أوفَى العبسي : @ يُذَكِّرُنِي حامِيمَ والرّمْحُ شاجِرٌ فَهَلاَّ تَلا حم قَبْلَ التَّقَدّمِ @@ وبقول الكُمَيت : @ وَجَدْنا لَكُمْ فِي آلِ حامِيم آيَةً تَأَوَّلَها مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ @@ وحُدثت عن معمر بن المثنى أنه قال : قال يونس ، يعني الجرمي : ومن قال هذا القول فهو منكَر عليه ، لأن السورة { حم } ساكنة الحروف ، فخرجت مخرج التهجي ، وهذه أسماء سور خرجت متحركات ، وإذا سميت سورة بشيء من هذه الأحرف المجزومة دخلهُ الإعراب . والقول في ذلك عندي نظير القول في أخواتها ، وقد بيَّنا ذلك ، في قوله : { الم } ففي ذلك كفاية عن إعادته في هذا الموضع ، إذ كان القول في حم ، وجميع ما جاء في القرآن على هذا الوجه ، أعني حروف التهجي قولاً واحداً . وقوله : { تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ } يقول الله تعالى ذكره : من الله العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بما يعملون من الأعمال وغيرها تنزيل هذا الكتاب فالتنزيل مرفوع بقوله : { مِنَ اللَّهِ } . وفي قوله : { غافِرِ الذَّنْبِ } وجهان أحدهما : أن يكون بمعنى يغفر ذنوب العباد ، وإذا أريد هذا المعنى ، كان خفض غافر وقابل من وجهين ، أحدهما من نية تكرير « من » ، فيكون معنى الكلام حينئذ : تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، من غافر الذنب ، وقابل التوب ، لأن غافر الذنب نكرة ، وليس بالأفصح أن يكون نعتاً للمعرفة ، وهو نكرة ، والآخر أن يكون أجرى في إعرابه ، وهو نكرة على إعراب الأوّل كالنعت له ، لوقوعه بينه وبين قوله : { ذِي الطَّوْلِ } وهو معرفة . وقد يجوز أن يكون أتبع إعرابه وهو نكرة إعراب الأوّل ، إذا كان مدحاً ، وكان المدح يتبع إعرابه ما قبله أحياناً ، ويعدل به عن إعراب الأوّل أحياناً بالنصب والرفع كما قال الشاعر : @ لا يَبْعَدَنْ قَوْمي الَّذِينَ هُمُ سَمُّ العُدَاةِ وآفَةُ الجُزُرِ النَّازِلِينَ بِكُلّ مَعُتَركٍ والطَّيِبينَ معَاقِدَ الأُزُزُ @@ وكما قال جلّ ثناؤه { وَهُوَ الغَفُورُ الَودُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } فرفع فعَّالٌ وهو نكرة محضة ، وأتبع إعراب الغفور الودود والآخر : أن يكون معناه : أن ذلك من صفته تعالى ، إذ كان لم يزل لذنوب العباد غفوراً من قبل نزول هذه الآية وفي حال نزولها ، ومن بعد ذلك ، فيكون عند ذلك معرفة صحيحة ونعتاً على الصحة . وقال : { غافِرِ الذَّنْبِ } ولم يقل الذنوب ، لأنه أريد به الفعل ، وأما قوله : { وَقابِلِ التَّوْبِ } فإن التوب قد يكون جمع توبة ، كما يجمع الدَّومة دَوماً والعَومة عَوماً من عومة السفينة ، كما قال الشاعر : @ عَوْمَ السَّفِينَ فَلَمَّا حالَ دُونَهُمُ @@ وقد يكون مصدر تاب يتوب توباً . وقد : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، قال : جاء رجل إلى عمر ، فقال : إني قتلت ، فهل لي من توبة ؟ قال : نعم ، اعمل ولا تيأس ، ثم قرأ : { حم تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيرِ العَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ } . وقوله : { شَدِيد العقابِ } يقول تعالى ذكره : شديد عقابه لمن عاقبه من أهل العصيان له ، فلا تتكلوا على سعة رحمته ، ولكن كونوا منه على حذر ، باجتناب معاصيه ، وأداء فرائضه ، فإنه كما أن لا يؤيس أهل الإجرام والآثام من عفوه ، وقبول توبة من تاب منهم من جرمه ، كذلك لا يؤمنهم من عقابه وانتقامه منهم بما استحلوا من محارمه ، وركبوا من معاصيه . وقوله : { ذِي الطَّوْلِ } يقول : ذي الفضل والنعم المبسوطة على من شاء من خلقه يقال منه : إن فلاناً لذو طَوْل على أصحابه ، إذا كان ذا فضل عليهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو الصالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { ذِي الطَّوْلِ } يقول : ذي السعة والغنى . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { ذِي الطَّوْلِ } الغنى . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ذِي الطَّوْلِ } : أي ذي النعم . وقال بعضهم : الطَّول : القدرة . ذكر من قال ذلك : حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { ذِي الطَّوْلِ } قال : الطول القدرة ، ذاك الطول . وقوله : { لا إلَهَ إلاَّ هوَ إلَيْهِ المَصِيرُ } يقول : لا معبود تصلح له العبادة إلا الله العزيز العليم ، الذي صفته ما وصف جلّ ثناؤه ، فلا تعبدوا شيئاً سواه { إلَيْهِ المَصِيرُ } يقول تعالى ذكره : إلى الله مصيركم ومرجعكم أيها الناس ، فإياه فاعبدوا ، فإنه لا ينفعكم شيء عبدتموه عند ذلك سواه .