Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 27-28)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وقال موسى لفرعون وملئه : إني استجرت أيها القوم بربي وربكم ، من كلّ متكبر عليه ، تكبر عن توحيده ، والإقرار بألوهيته وطاعته ، لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بما أساء وإنما خصّ موسى صلوات الله وسلامه عليه ، الاستعاذة بالله ممن لا يؤمن بيوم الحساب ، لأن من لم يؤمن بيوم الحساب مصدّقاً ، لم يكن للثواب على الإحسان راجياً ، ولا للعقاب على الإساءة ، وقبيح ما يأتي من الأفعال خائفاً ، ولذلك كان استجارته من هذا الصنف من الناس خاصة . وقوله : { وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ } اختلف أهل العلم في هذا الرجل المؤمن ، فقال بعضهم : كان من قوم فرعون ، غير أنه كان قد آمن بموسى ، وكان يُسِرّ إيمانه من فرعون وقومه خوفاً على نفسه . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { وَقَالَ رَجُلٌ مُوءْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : هو ابن عمّ فرعون . ويقال : هو الذي نجا مع موسى ، فمن قال هذا القول ، وتأوّل هذا التأويل ، كان صواباً الوقف إذا أراد القارىء الوقف على قوله : { مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } ، لأن ذلك خبر متناه قد تمّ . وقال آخرون : بل كان الرجل إسرائيلياً ، ولكنه كان يكتم إيمانه من آل فرعون . والصواب على هذا القول لمن أراد الوقف أن يجعل وقفه على قوله : { يَكْتُمُ إيمَانَهُ } لأن قوله : { مِنَ آلِ فِرْعَوْنَ } صلة لقوله : { يَكْتمُ إيمَانَهُ } فتمامه قوله : يكتم إيمانه ، وقد ذكر أن اسم هذا الرجل المؤمن من آل فرعون : جبريل ، كذلك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق . وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي القول الذي قاله السدي من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون ، قد أصغى لكلامه ، واستمع منه ما قاله ، وتوقَّف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله ، وقيله ما قال ، وقال له : ما أريكم إلا ما أرى ، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ، ولو كان إسرائيلياً لكان حرياً أن يعاجل هذا القائل له ، ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله ، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل ، لاعتداده إياهم أعداء له ، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلاً ؟ ولكنه لما كان من ملأ قومه ، استمع قوله ، وكفّ عما كان همّ به في موسى . وقوله : { أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبّي اللَّهُ } يقول : أتقتلون أيها القوم موسى لأن يقول ربي الله ؟ فأن في موضع نصب لما وصفت . { وَقَدْ جاءَكُمْ بالبَيِّناتِ } يقول : وقد جاءكم بالآيات الواضحات على حقيقة ما يقول من ذلك ، وتلك البينات من الآيات يده وعصاه ، كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق { وَقَدْ جاءَكُمْ بالبَيِّنات مِنْ رَبِّكُمْ } بعصاه وبيده . وقوله : { وَإنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } يقول : وإن يك موسى كاذباً في قيله : إن الله أرسله إليكم يأمركم بعبادته ، وترك دينكم الذي أنتم عليه ، فإنما إثم كذبه عليه دونكم { وَإنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعدُكُمْ } يقول : وإن يك صادقاً في قيله ذلك ، أصابكم الذي وعدكم من العقوبة على مقامكم على الدين الذي أنتم عليه مقيمون ، فلا حاجة بكم إلى قتله ، فتزيدوا ربكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطاً { إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هو مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } يقول : إن الله لا يوفِّق للحقّ من هو متعدّ إلى فعل ما ليس له فعله ، كذّاب عليه يكذب ، ويقول عليه الباطل وغير الحقّ . وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإسراف الذي ذكره المؤمن في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُني به الشرك ، وأراد : إن الله لا يهدي من هو مشرك به مفتر عليه . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هو مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } : مشرك أسرف على نفسه بالشرك . وقال آخرون : عنى به من هو قتال سفَّاك للدماء بغير حقّ . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هو مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } قال : المسرف : هو صاحب الدم ، ويقال : هم المشركون . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن هذا المؤمن أنه عمّ بقوله : { إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هو مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } والشرك من الإسراف ، وسفك الدم بغير حقّ من الإسراف ، وقد كان مجتمعاً في فرعون الأمران كلاهما ، فالحقّ أن يعمّ ذلك كما أخبر جلّ ثناؤه عن قائله ، أنه عمّ القول بذلك .