Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 51-52)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول القائل : وما معنى : { إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا } وقد علمنا أن منهم من قتله أعداؤه ، ومثَّلوا به ، كشعياء ويحيى بن زكريا وأشباههما ، ومنهم من همّ بقتله قومه ، فكان أحسن أحواله أن يخلص منهم حتى فارقهم ناجياً بنفسه ، كإبراهيم الذي هاجر إلى الشام من أرضه مفارقا لقومه ، وعيسى الذي رفع إلى السماء إذ أراد قومه قتله ، فأين النصرة التي أخبرنا أنه ينصرها رسله ، والمؤمنين به في الحياة الدنيا ، وهؤلاء أنبياؤه قد نالهم من قومهم ما قد علمت ، وما نصروا على من نالهم بما نالهم به ؟ قيل : إن لقوله : { إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا } وجهين كلاهما صحيح معناه . أحدهما أن يكون معناه : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا إما بإعلائناهم على من كذّبنا وإظفارنا بهم ، حتى يقهروهم غلبة ، ويذلوهم بالظفر ذلة ، كالذي فعل من ذلك بداود وسليمان ، فأعطاهما من الملُك والسلطان ما قهرا به كل كافر ، وكالذي فعل بمحمد صلى الله عليه وسلم بإظهاره على من كذّبه من قومه ، وإما بانتقامنا ممن حادّهم وشاقهم بإهلاكهم وإنجاء الرسل ممن كذّبهم وعاداهم ، كالذي فعل تعالى ذكره بنوح وقومه ، من تغريق قومه وإنجائه منهم ، وكالذي فعل بموسى وفرعون وقومه ، إذ أهلكهم غرقا ، ونجى موسى ومن آمن به من بني إسرائيل وغيرهم ونحو ذلك ، أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذّبيهم بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم ، كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء بعد مهلكه ، بتسليطنا على قتلته مَن سلَّطنا حتى انتصرنا بهم من قتلته ، وكفعلنا بقتلة يحيى ، من تسليطنا بختنصر عليهم حتى انتصرنا به من قتله له وكانتصارنا لعيسى من مريدي قتله بالروم حتى أهلكناهم بهم ، فهذا أحد وجهيه . وقد كان بعض أهل التأويل يوجه معنى ذلك إلى هذا الوجه . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن الفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ قول الله : { إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا } قد كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون ، وذلك أن تلك الأمة التي تفعل ذلك بالأنبياء والمؤمنين لا تذهب حتى يبعث الله قوماً فينتصر بهم لأولئك الذين قتلوا منهم . والوجه الآخر : أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين ، والمراد واحد ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : إنا لننصر رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به في الحياة الدنيا ، ويوم يقود الأشهاد ، كما بيَّنا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع ، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصاً بعينه . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِين مَعْذِرَتُهُمْ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة { وَيَوْمَ يَقُومُ } بالياء . وينفع أيضاً بالياء ، وقرأ ذلك بعض أهل مكة وبعض قرّاء البصرة : « تَقُومُ » بالتاء ، و « تَنْفَعُ » بالتاء . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقد بيَّنا فيما مضى أن العرب تذكر فعل جمع الرجل وتؤنث إذا تقدم بما أغنى عن إعادته . وعُني بقوله : { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ } يوم يقوم الأشهاد من الملائكة والأنبياء والمؤمنين على الأمم المكذبة رسلها بالشهادة بأن الرسل قد بلغتهم رسالات ربهم ، وأن الأمم كذّبتهم . والأشهاد : جمع شهيد ، كما الأشراف : جمع شريف . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ } من ملائكة الله وأنبيائه ، والمؤمنين به . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ } يوم القيامة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، في قول الله : { ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ } قال الملائكة . وقوله : { لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرتُهُمْ } يقول تعالى ذكره : ذلك يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم لأنهم لا يعتذرون إن اعتذروا إلا بباطل ، وذلك أن الله قد أعذر إليهم في الدنيا ، وتابع عليهم الحجج فيها فلا حجة لهم في الآخرة إلا الاعتصام بالكذب بأن يقولوا : { واللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } وقوله : { وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ } يقول : وللظالمين اللعنة ، وهي البُعد من رحمة الله { وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } يقول : ولهم مع اللعنة من الله شرّ ما في الدار الآخرة ، وهو العذاب الأليم .