Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 70-74)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب الله ، وهو هذا القرآن و « الذين » الثانية في موضع خفض رداً لها على « الذين » الأولى على وجه النعت { وبِمَا أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا } يقول : وكذّبوا أيضاً مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله ، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد ، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب . وقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إذِ الأغْلالِ في أعْناقِهِمْ والسَّلاسِلُ } ، وهذا تهديد من الله المشركين به يقول جلّ ثناؤه : فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله ، المكذّبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد ، وصحة ما هم به اليوم مكذبون من هذا الكتاب ، حين تجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم في جهنم . وقرأت قراء الأمصار : والسلاسلُ ، برفعها عطفاً بها على الأغلال على المعنى الذي بيَّنت . وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه « والسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ » بنصب السلاسل في الحميم . وقد حُكي أيضاً عنه أنه كان يقول : إنما هو وهم في السلاسل يسحبون ، ولا يجيز أهل العلم بالعربية خفض الاسم والخافض مضمر . وكان بعضهم يقول في ذلك : لو أن متوهِّماً قال : إنما المعنى : إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل يسحبون ، جاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب ، وقال : مثله ، مما ردّ إلى المعنى ، قول الشاعر : @ قَدْ سَالمَ الحَيَّاتُ مِنْهُ القَدَما الأُفْعُوَانَ والشُّجاعَ الأَرْقَما @@ فنصب الشُّجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة ، لأن المعنى : قد سالمت رجله الحيات وسالمتها ، فلما احتاج إلى نصب القافية ، جعل الفعل من القدم واقعاً على الحيات . والصواب من القراءة عندنا في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة عليه ، وهو رفع السلاسل عطفاً بها على ما في قوله : { فِي أعْناقِهِمْ } من ذكر الأغلال . وقوله : { يُسْحَبُونَ } يقول : يسحب هؤلاء الذين كذّبوا في الدنيا بالكتاب زبانيةُ العذاب يوم القيامة في الحميم ، وهو ما قد انتهى حرّه ، وبلغ غايته . وقوله : { ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } يقول : ثم في نار جهنم يحرقون ، يقول : تسجر بها جهنم : أي توقد بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { يُسْجَرُونَ } قال : يوقد بهم النار . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } قال : يحرقون في النار . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } قال : يسجرون في النار : يوقد عليهم فيها . وقوله : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أيْنَما كُنْتُمْ تُشرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } يقول : ثم قيل : أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياها من دون الله من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء والعذاب ، فإن المعبود يغيث من عبده وخدمه وإنما يقال هذا لهم توبيخاً وتقريعاً على ما كان منهم في الدنيا من الكفر بالله وطاعة الشيطان ، فأجاب المساكين عند ذلك فقالوا : ضلوا عنا : يقول : عدلوا عنا ، فأخذوا غير طريقنا ، وتركونا في هذا البلاء ، بل ما ضلوا عنا ، ولكنا لم نكن ندعو من قبل في الدنيا شيئاً : أي لم نكن نعبد شيئاً يقول الله تعالى ذكره : { كذَلكَ يُضِلُّ اللَّهُ الكَافِرِينَ } يقول : كما أضلّ هؤلاء الذين ضلّ عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله من الآلهة والأوثان آلهتهم وأوثانهم ، كذلك يضلّ الله أهل الكفر به عنه ، وعن رحمته وعبادته ، فلا يرحمهم فينجيهم من النار ، ولا يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلاء .