Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 33-34)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ومن أحسن أيها الناس قولاً ممن قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : تلا الحسن : { وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ وَعمِلَ صَالِحاً وَقالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ } قال : هذا حبيب الله ، هذا وليّ الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحبّ الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحاً في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين ، فهذا خليفة الله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ … } الآية ، قال : هذا عبد صدّق قولَه عملهُ ، ومولجُه مخرجُه ، وسرَّه علانيته ، وشاهده مغيبه ، وإن المنافق عبد خالف قولَه عملُه ، ومولجَه مخرجُه ، وسرَّه علانيته ، وشاهده مغيبه . واختلف أهل العلم في الذي أريد بهذه الصفة من الناس ، فقال بعضهم : عُنِي بها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ } قال : محمد صلى الله عليه وسلم حين دعا إلى الإسلام . حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ وَعمِلَ صَالِحاً وَقالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ } قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : عُنى به المؤذّن . ذكر من قال ذلك : حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب البصري ، قال : ثنا عمرو بن جرير البجلي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، في قول الله : { وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ } قال : المؤذّن { وَعمِلَ صَالِحاً } قال : الصلاة ما بين الأذان إلى الإقامة . وقوله : { وَقالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ } يقول : وقال : إنني ممن خضع لله بالطاعة ، وذلّ له بالعبودة ، وخشع له بالإيمان بوحدانيته . وقوله : { وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةَ وَلا السَّيِّئَةُ } يقول تعالى ذكره : ولا تستوي حسنة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، فأحسنوا في قولهم ، وإجابتهم ربهم إلى ما دعاهم إليه من طاعته ، ودعوا عباد الله إلى مثل الذي أجابوا ربهم إليه ، وسيئة الذين قالوا : { لا تَسْمَعُوا لَهَذا القُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فكذلك لا تستوي عند الله أحوالهم ومنازلهم ، ولكنها تختلف كما وصف جلّ ثناؤه أنه خالف بينهما ، وقال جلّ ثناؤه : { وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةَ وَلا السَّيِّئَة } ُفكرّر لا ، والمعنى : لا تستوي الحسنة ولا السيئة ، لأن كلّ ما كان غير مساوٍ شيئاً ، فالشيء الذي هو له غير مساو غير مساويه ، كما أن كلّ ما كان مساوياً لشيء فالآخر الذي هو له مساو ، مساوٍ له ، فيقال : فلان مساو فلاناً ، وفلان له مساو ، فكذلك فلان ليس مساوياً لفلان ، ولا فلان مساوياً له ، فلذلك كرّرت لا مع السيئة ، ولو لم تكن مكرّرة معها كان الكلام صحيحاً . وقد كان بعض نحويي البصرة يقول : يجوز أن يقال : الثانية زائدة يريد : لا يستوي عبد الله وزيد ، فزيدت لا توكيداً ، كما قال : { لَئِلاَّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاَّ يَقْدِرُونَ } أي لأن يعلم ، وكما قال : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ . وقد كان بعضهم ينكر قوله هذا في : { لَئِلاَّ يَعْلَمَ أهْلَ الكِتابِ } وفي قوله : { لا أُقْسِمُ } فيقول : لا الثانية في قوله : { لَئِلاَّ يَعْلَمَ أهْلَ الكِتابِ } أن لا يقدرون ردّت إلى موضعها ، لأن النفي إنما لحق يقدرون لا العلم ، كما يقال : لا أظنّ زيداً لا يقوم ، بمعنى : أظنّ زيداً لا يقوم قال : وربما استوثقوا فجاؤوا به أوّلاً وآخراً ، وربما اكتفوا بالأوّل من الثاني . وحُكي سماعاً من العرب : ما كأني أعرفها : أي كأني لاأعرفها . قال : وأما « لا » في قوله { لا أُقْسِمُ } فإنما هو جواب ، والقسم بعدها مستأنف ، ولا يكون حرف الجحد مبتدأ صلة . وإنما عُنِي بقوله : { وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةَ وَلا السَّيِّئَةُ } ولا يستوي الإيمان بالله والعمل بطاعته والشرك به والعمل بمعصيته . وقوله : { ادْفِعْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك ، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء ، وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم ، ويلقاك من قبلهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في تأويله . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } قال : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب ، والحلم والعفو عند الإساءة ، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوُّهم ، كأنه وليّ حميم . وقال آخرون : معنى ذلك : ادفع بالسلام على من أساء إليك إساءته . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء { ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } قال : بالسلام . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد { ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } قال : السلام عليك إذا لقيته . وقوله : { فإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَوَاةٌ كأنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ } يقول تعالى ذكره : افعل هذا الذي أمرتك به يا محمد من دفع سيئة المسيء إليك بإحسانك الذي أمرتك به إليه ، فيصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة ، كأنه من ملاطفته إياك ، وبرّه لك ، وليّ لك من بني أعمامك ، قريب النسب بك والحميم : هو القريب ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، ، عن قتادة { كأنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ } : أي كأنه وليّ قريب .