Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 44-44)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه يا محمد أعجمياً لقال قومك من قريش : { لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ } يعني : هلا بينت أدلته وما فيه من آية ، فنفقهه ونعلم ما هو وما فيه ، أأعجميّ ، يعني أنهم كانوا يقولون إنكاراً له : أأعجمي هذا القرآن ولسان الذي أُنزل عليه عربيّ ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية { لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ أأعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ } قال : لو كان هذا القرآن أعجمياً لقالوا : القرآن أعجميّ ، ومحمد عربي . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني محمد بن أبي عديّ ، عن داود بن أبي هند ، عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير في هذه الآية : { لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ أأعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ } قال : الرسول عربيّ ، واللسان أعجمي . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا أبو داود عن سعيد بن جبير في قوله : { وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنا أعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ أأعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ } قرآن أعجميّ ولسان عربيّ . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن محمد بن أبي موسى ، عن عبد الله بن مطيع بنحوه . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ } فجعل عربياً ، أعجمي الكلام وعربيّ الرجل . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنا أعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ } يقول : بُينت آياته ، أأعجميّ وعربيّ ، نحن قوم عرب مالنا وللعُجْمة . وقد خالف هذا القول الذي ذكرناه عن هؤلاء آخرون ، فقالوا : معنى ذلك { لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ } بعضها عربيّ ، وبعضها عجميّ . وهذا التأويل على تأويل من قرأ { أعْجَمِيّ } بترك الاستفهام فيه ، وجعله خبراً من الله تعالى عن قيل المشركين ذلك ، يعني : هلا فصّلت آياته ، منها عجميّ تعرفه العجم ، ومنها عربي تفقهه العرب . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : قالت قريش : لولا أنزل هذا القرآن أعجمياً وعربياً ، فأنزل الله { وقَالُوا لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ أعْجَمِيّ وَعَربِيّ ، قُلْ هُوَ للَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفاءٌ } فأنزل الله بعد هذه الآية كل لسان ، فيه { حِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ } قال : فارسية ، أعربت : سنك وكَلَّ . وقرأت قرّاء الأمصار : { أأعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ } على وجه الاستفهام ، وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك : أعجمي بهمزة واحدة على غير مذهب الاستفهام ، على المعنى الذي ذكرناه عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير . والصواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة التي عليها قرّاء الأمصار لإجماع الحجة عليها على مذهب الاستفهام . وقوله : { قُلْ هُوَ للَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ } يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهم : هو ، ويعني بقوله { هُوَ } القرآن { لِلَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله ، وصدّقوا بما جاءهم به من عند ربهم { هُدًى } يعني بيان للحقّ { وَشِفاءٌ } يعني أنه شفاء من الجهل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفاءٌ } قال : جعله الله نوراً وبركة وشفاء للمؤمنين . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفاءٌ } قال : القرآن . وقوله : { والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } يقول تعالى ذكره : والذين لا يؤمنون بالله ورسوله ، وما جاءهم به من عند الله في آذانهم ثقل عن استماع هذا القرآن ، وصمم لا يستمعونه ولكنهم يعرضون عنه ، { وهو عليهم عمًى } يقول : وهذا القرآن على قلوب هؤلاء المكذّبين به عمًى عنه ، فلا يبصرون حججه عليهم ، وما فيه من مواعظه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } عموا وصموا عن القرآن ، فلا ينتفعون به ، ولا يرغبون فيه . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ } قال : صمم { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } قال : عميت قلوبهم عنه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } قال : العمى : الكفر . وقرأت قرّاء الأمصار : { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } بفتح الميم . وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ : « وهو عليهم عَمٍ » بكسر الميم على وجه النعت للقرآن . والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار . وقوله : { أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معنى ذلك : تشبيه من الله جلّ ثناؤه ، لعمى قلوبهم عن فهم ما أنزل في القرآن من حججه ومواعظه ببعيد ، فهم سامع مع صوت من بعيد نودي ، فلم يفهم ما نودي ، كقول العرب للرجل القليل الفهم : إنك لُتنَادَى من بعيد ، وكقولهم للفَهِم : إنك لتأخذ الأمور من قريب . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن بعض أصحابه ، عن مجاهد { أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } قال : بعيد من قلوبهم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج عن مجاهد ، بنحوه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } قال : ضيَّعوا أن يقبلوا الأمر من قريب ، يتوبون ويؤمنون ، فيقبل منهم ، فأبوا . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنهم ينادون يوم القيامة من مكان بعيد منهم بأشنع أسمائهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن أجلح ، عن الضحاك بن مزاحم { أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } قال : ينادَى الرجل بأشنع اسمه . واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْر لَمَّا جاءَهُمْ } فقال بعضهم : تمامه : { أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } وجعل قائلوا هذا القول خبر { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْر } { أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } وقال بعض نحويي البصرة : ذلك ويجوز أن يكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها ، كما استغنت أشياء عن الخبر إذا طال الكلام ، وعرف المعنى ، نحو قوله : { وَلَوْ أنَّ قُرْآنا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ } وما أشبه ذلك . قال : وحدثني شيخ أهل العلم ، قال : سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْر لَمَّا جاءَهُمْ } أين خبره ؟ فقال عمرو : معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به { وإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : إن شئت جعلت جواب { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْر أُولَئكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } وإن شئت كان جوابه في قوله : { وإنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ } فيكون جوابه معلوماً ، فترك فيكون أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن . وقال آخرون : بل ذلك مما انصرف عن الخبر عما ابتدىء به إلى الخبر عن الذي بعده من الذكر فعلى هذا القول ترك الخبر عن الذين كفروا بالذكر ، وجعل الخبر عن الذكر فتمامه على هذا القول وإنه لكتاب عزيز فكان معنى الكلام عند قائل هذا القول : إن الذكر الذي كفر به هؤلاء المشركون لما جاءهم ، وإنه لكتاب عزيز ، وشبهه بقوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجاً يَتَربَّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ } وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : هو مما ترك خبره اكتفاء بمعرفة السامعين بمعناه لما تطاول الكلام .