Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 5-5)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أفنضرب عنكم ونترككم أيها المشركون فيما تحسبون ، فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : { أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحاً } قال : تكذّبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه . حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قوله : { أفَنَضْربُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحاً } قال : بالعذاب . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صفحاً } قال : أفنضرب عنكم العذاب . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { أفَنَضْربُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ } يقول : أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أُمرتم به . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أفنترك تذكيركم بهذا القرآن ، ولا نذكركم به ، لأن كنتم قوماً مسرفين . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحاً أنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ } : أي مشركين ، والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا ، فدعاهم إليه عشرين سنة ، أو ما شاء الله من ذلك . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحاً } قال : لو أن هذه الأمة لم يؤمنوا لضرب عنهم الذكر صفحاً ، قال : الذكر ما أنزل عليهم مما أمرهم الله به ونهاهم صفحاً ، لا يذكر لكم منه شيئاً . وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله : أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم ، لأن كنتم قوماً مسرفين لا تؤمنون بربكم . وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها ، وما أحلّ بها من نقمته ، ففي ذلك دليل على أن قوله : { أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحاً } وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك ، إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة « إنْ كُنْتُم » بكسر الألف من « إن » بمعنى : أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إذ كنتم قوماً مسرفين . وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والكوفة وعامة قرّاء البصرة « أن » بفتح الألف من « أن » ، بمعنى : لأن كنتم . واختلف أهل العربية في وجه فتح الألف من أن في هذا الموضع ، فقال بعض نحويي البصرة : فتحت لأن معنى الكلام : لأن كنتم . وقال بعض نحويي الكوفة : من فتحها فكأنه أراد شيئاً ماضياً ، فقال : وأنت تقول في الكلام : أتيت أن حرمتني ، تريد : إذ حرمتني ، ويكسر إذا أردت : أتيت إن تحرمني . ومثله : { لا يَجْرمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكُمْ } و { إنْ صَدُّوكُمْ } بكسر وبفتح . { فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ على آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أسَفاً } قال : والعرب تنشد قول الفرزدق : @ أَتجْزَعُ أنْ أُذْنا قُتَيْبَةَ حُزَّتا جِهاراً ولَمْ تَجْزَعْ لقَتْلِ ابنِ حازِمِ @@ قال : وينشد : @ أتَجْزَعُ أنْ بانَ الخَلِيطُ المُوَدّعُ وَحَبْلُ الصَّفا مِنْ عَزَّةَ المُتَقَطِّعُ @@ قال : وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح . والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الكسر والفتح في الألف في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن العرب إذا تقدم « أن » وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحياناً ، فمحضوا لها الجزاء ، فقالوا : أقوم إن قمت ، وفتحوها أحياناً ، وهم ينوون ذلك المعنى ، فقالوا : أقوم أن قمت بتأويل ، لأن قمت ، فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضياً لم يتكلَّموا إلا بفتح الألف من « أن » فقالوا : قمتُ أن قمتَ ، وبذلك جاء التنزيل ، وتتابع شعر الشعراء .