Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 20-21)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره { هَذَا } الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد { بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } يُبْصِرون به الحقّ من الباطل ، ويعرفون به سبيل الرشاد ، والبصائر : جمع بصيرة . وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { هَذَا بَصَائِرُ للنَّاس وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } قال : القرآن . قال : هذا كله إنما هو في القلب . قال : والسمع والبصر في القلب . وقرأ { فإنَّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } وليس ببصر الدنيا ولا بسمعها . وقوله : وَهُدًى يقول : ورشاد { وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } بحقيقة صحة هذا القرآن ، وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم . وخصّ جلّ ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر وهدى ورحمة ، لأنهم الذين انتفعوا به دون من كذب به من أهل الكفر ، فكان عليه عمىً وله حزناً . وقوله : { أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السيِّئاتِ } يقول تعالى ذكره : أم ظنّ الذين اجترحوا السيئات من الأعمال في الدنيا ، وكذّبوا رسل الله ، وخالفوا أمر ربهم ، وعبدوا غيره ، أن نجعلهم في الآخرة ، كالذين آمنوا بالله وصدّقوا رسله وعملوا الصالحات ، فأطاعوا الله ، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، كلا ما كان الله ليفعل ذلك ، لقد ميز بين الفريقين ، فجعل حزب الإيمان في الجنة ، وحزب الكفر في السعير . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السيِّئاتِ … } الآية ، لعمري لقد تفرّق القوم في الدنيا ، وتفرّقوا عند الموت ، فتباينوا في المصير . وقوله : { سَوَاءً مَحْياهُم وَمَماتُهُمْ } اختلفت القرّاء في قراءة قوله : { سَوَاءً } ، فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة « سَوَاءٌ » بالرفع ، على أن الخبر متناهٍ عندهم عند قوله : { كالَّذِينَ آمَنُوا } وجعلوا خبر قوله : { أنْ نَجْعَلَهُمْ } قوله : { كالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ } ، ثم ابتدأوا الخبر عن استواء حال محيا المؤمن ومماته ، ومحيا الكافر ومماته ، فرفعوا قوله : « سَوَاءٌ » على وجه الابتداء بهذا المعنى ، وإلى هذا المعنى وجه تأويل ذلك جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : « سَوَاءٌ مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ » قال : المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن ، والكافر في الدنيا والآخرة كافر . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا حسين ، عن شيبان ، عن ليث ، في قوله : « سَوَاءٌ مَحْياهُمْ وَمماتُهُمْ » قال : بعث المؤمن مؤمناً حياً وميتاً ، والكافر كافراً حياً وميتاً . وقد يحتمل الكلام إذا قُرىء سواء رفعاً وجهاً آخر غير هذا المعنى الذي ذكرناه عن مجاهد وليث ، وهو أن يوجه إلى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم والمؤمنين سواء في الحياة والموت ، بمعنى : أنهم لا يستوون ، ثم يرفع سواء على هذا المعنى ، إذ كان لا ينصرف ، كما يقال : مررت برجل خير منك أبوه ، وحسبك أخوه ، فرفع حسبك ، وخير إذ كانا في مذهب الأسماء ، ولو وقع موقعهما فعل في لفظ اسم لم يكن إلا نصباً ، فكذلك قوله : « سواءٌ » . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة { سَوَاءً } نصباً ، بمعنى : أحسبوا أن نجعلهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء . والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل العلم بالقرآن صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : سَوَاء ورفعه ، فقال بعض نحويِّي البصرة « سَوَاءٌ مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ » رفع . وقال بعضهم : إن المحيا والممات للكفار كله ، قال : { أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرحُوا السيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهُمْ كالَّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحاتِ } ثم قال : سواء محيا الكفار ومماتهم : أي محياهم محيا سَوَاء ، ومماتهم ممات سَوَاء ، فرفع السواء على الابتداء . قال : ومن فسَّر المحيا والممات للكفار والمؤمنين ، فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء ورفعه ، لأن من جعل السواء مستوياً ، فينبغي له في القياس أن يُجريه على ما قبله ، لأنه صفة ، ومن جعله الاستواء ، فينبغي له أن يرفعه لأنه اسم ، إلا أن ينصب المحيا والممات على البدل ، وينصب السواء على الاستواء ، وإن شاء رفع السواء إذا كان في معنى مستوٍ ، كما تقول : مررت برجل خير منك أبوه ، لأنه صفة لا يصرف والرفع أجود . وقال بعض نحويِّي الكوفة قوله : { سَوَاءً مَحْياهُمْ } بنصب سواء وبرفعه ، والمحيا والممات في موضع رفع بمنزلة ، قوله : رأيت القوم سواءً صغارهم وكبارهم بنصب سواء لأنه يجعله فعلاً لما عاد على الناس من ذكرهم ، قال : وربما جعلت العرب سواء في مذهب اسم بمنزلة حسبك ، فيقولون : رأيت قومك سواء صغارهم وكبارهم . فيكون كقولك : مررت برجل حسبك أبوه ، قال : ولو جعلت مكان سواء مستوٍ لم يرفع ، ولكن نجعله متبعاً لما قبله ، مخالفاً لسواء ، لأن مستوٍ من صفة القوم ، ولأن سواء كالمصدر ، والمصدر اسم . قال : ولو نصبت المحيا والممات كان وجهاً ، يريد أن نجعلهم سواء في محياهم ومماتهم . وقال آخرون منهم : المعنى : أنه لا يساوي من اجترح السيئات المؤمن في الحياة ، ولا الممات ، على أنه وقع موقع الخبر ، فكان خبراً لجعلنا ، قال : والنصب للأخبار كما تقول : جعلت إخوتك سواءً ، صغيرهم وكبيرهم ، ويجوز أن يرفع ، لأن سواء لا ينصرف . وقال : من قال : { أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرحُوا السيِّئات أنْ نَجْعَلهُمْ كالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ } فجعل كالذين الخبر استأنف بسواء ورفع ما بعدها ، وإن نصب المحيا والممات نصب سواء لا غير ، وقد تقدّم بياننا الصواب من القول في ذلك . وقوله : { ساءَ ما يَحْكُمُونَ } يقول تعالى ذكره : بئس الحكم الذي حسبوا أنا نجعل الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات ، سواء محياهم ومماتهم .