Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { أفَرأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ } فقال بعضهم : معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ دينه بهواه ، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه ، لأنه لا يؤمن بالله ، ولا يحرِّم ما حَرّمَ ، ولا يحلل ما حَلَّلَ ، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { أفَرأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ } قال : ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدىً من الله ولا برهان . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { أفَرأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ } قال : لا يهوي شيئاً إلا ركبه لا يخاف الله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيء . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : كانت قريش تعبد العُزّى ، وهو حجر أبيض ، حيناً من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأوّل وعبدوا الآخر ، فأنزل الله { أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ } . وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما هوي من شيء دون إله الحقّ الذي له الألوهة من كلّ شيء ، لأن ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره . وقوله : { وأضَلَّهُ اللّهُ على عِلْمٍ } يقول تعالى ذكره : وخذله عن محجة الطريق ، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي ، ولو جاءته كل آية . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { وأضَلَّهُ اللّهُ على عِلْمٍ } يقول : أضله لله في سابق علمه . وقوله : { وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } يقول تعالى ذكره : وطَبَعَ على سمعه أن يسمع مواعظ الله وآي كتابه ، فيعتبر بها ويتدبرها ، ويتفكر فيها ، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهُدى . وقوله : { وَقَلْبِهِ } يقول : وطبع أيضاً على قلبه ، فلا يعقل به شيئاً ، ولا يعي به حقاً . وقوله : { وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غَشاوَةً } يقول : وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله ، فيستدلّ بها على وحدانيته ، ويعلم بها أن لا إله غيره . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشاوَةً } فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة { غِشاوَةً } بكسر الغين وإثبات الألف فيها على أنها اسم ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة « غَشْوَةً » بمعنى : أنه غشاه شيئا في دفعة واحدة ، ومرّة واحدة ، بفتح الغين بغير ألف ، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ } يقول تعالى ذكره : فمن يوفِّقه لإصابة الحقّ ، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه { أفَلا تَذَكَّرُونَ } أيها الناس ، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا ، فلن يهتدي أبداً ، ولن يجد لنفسه ولياً مرشداً .