Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما ، والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { إحساناً } فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة « حُسْناً » بضمّ الحاء على التأويل الذي وصفت . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة { إحْساناً } بالألف ، بمعنى : ووصيناه بالإحسان إليهما ، وبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب ، لتقارب معاني ذلك ، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القرّاء . وقوله : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } يقول تعالى ذكره : ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً برّاً بهما ، لما كان منهما إليه حملاً ووليداً وناشئاً ، ثم وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمه ، وما لاقت منه في حال حمله ووضعه ، ونبهه على الواجب لها عليه من البرّ ، واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة ، فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ } يعني في بطنها كرهاً ، يعني مشقة ، { وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } يقول : وولدته كرهاً يعني مشقة . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } يقول : حملته مشقة ، ووضعته مشقة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن ، في قوله : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } قالا : حملته في مشقة ، ووضعته في مشقة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } قال : مشقة عليها . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { كُرْهاً } فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة « كَرْهاً » بفتح الكاف . وقرأته عامة قرّاء الكوفة كُرْهاً بضمها ، وقد بيَّنت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضمّ في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } يقول تعالى ذكره : وحمل أمه إياه جنيناً في بطنها ، وفصالها إياه من الرضاع ، وفطمها إياه ، شرب اللبن ثلاثون شهراً . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَفِصَالُهُ } ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار غير الحسن البصري : { وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ } بمعنى : فاصلته أمه فصالاً ومفاصلة . وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأه : « وحَمْلُهُ وَفَصْلُهُ » بفتح الفاء بغير ألف ، بمعنى : وفصل أمه إياه . والصواب من القول في ذلك عندنا ، ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وشذوذ ما خالفه . وقوله : { حتى إذَا بَلَغَ أشُدَّهُ } اختلف أهل التأويل في مبلغ حدّ ذلك من السنين ، فقال بعضهم : هو ثلاث وثلاثون سنة . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : أشدّه : ثلاث وثلاثون سنة ، واستواؤه أربعون سنة ، والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { حتى إذَا بَلَغَ أشُدَّهُ } قال : ثلاثاً وثلاثين . وقال آخرون : هو بلوغ الحلم . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبيّ ، قال : الأشدّ : الحلم إذا كتبت له الحسنات ، وكتبت عليه السيئات . وقد بيَّنا فيما مضى الأشدّ جمع شدّ ، وأنه تناهي قوّته واستوائه . وإذا كان ذلك كذلك ، كان الثلاث والثلاثون به أشبه من الحلم ، لأن المرء لا يبلغ في حال حُلمه كمال قواه ، ونهاية شدّته ، فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام ، فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريباً أحدهما من صاحبه ، كما قال جلّ ثناؤه : { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدنى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْل وَنِصْفَهُ } ولا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريباً من ساعة من الليل وكله ، ولا أخذت قليلاً من مال أو كله ، ولكن تقول : أخذت عامة مالي أو كله ، فكذلك ذلك في قوله : { حتى إذَا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً } لا شكّ أن نسق الأربعين على الثلاث والثلاثين أحسن وأشبه ، إذ كان يُراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة . وقوله : { وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً } ذلك حين تكاملت حجة الله عليه ، وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحقّ في برّ والديه . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً } وقد مضى من سيء عمله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً ، قالَ رَبِّ أوْزِعْنِي } حتى بلغ { مِنَ المُسْلِمِينَ } وقد مضى من سيء عمله ما مضى . وقوله : { قالَ رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَليَّ وَعَلى وَالِدَيَّ } يقول تعالى ذكره : قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده ، وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه { رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ } يقول : أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك ، والعمل بطاعتك { وَعَلىَ وَالِدَيَّ } من قبلي ، وغير ذلك من نعمك علينا ، وألهمني ذلك . وأصله من وزعت الرجل على كذا : إذا دفعته عليه . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ } قال : اجعلني أشكر نعمتك ، وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله : { ربِّ أوْزِعْنِي } وإن كان يؤول إليه معنى الكلمة ، فليس بمعنى الإيزاع على الصحة . وقوله : { وأنْ أعمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } يقول تعالى ذكره : أوزعني أن أعمل صالحاً من الأعمال التي ترضاها ، وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { وأصْلِحْ لي في ذُرِّيَّتِي } يقول : وأصلح لي أموري في ذرّيتي الذين وهبتهم ، بأن تجعلهم هداة للإيمان بك ، واتباع مرضاتك ، والعمل بطاعتك ، فوصفه جلّ ثناؤه بالبرّ بالآباء والأمهات والبنين والبنات . وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه . وقوله : { إنّي تُبْتُ إلَيْكَ وَإنّي مِنَ المُسْلِمِينَ } يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل هذا الإنسان : { إنّي تُبْتُ إلَيْكَ } يقول : تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك { وَإنّي مِنَ المُسْلِمِينَ } يقول : وإني من الخاضعين لك بالطاعة ، المستسلمين لأمرك ونهيك ، المنقادين لحكمك .