Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 29-29)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره مقرّعاً كفار قريش بكفرهم بما آمنت به الجنّ { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ } يا محمد { نَفَراً مِنَ الجِنّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ } ذكر أنهم صرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحادث الذي حدث من رَجْمهم بالشهب . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد ، عن سعيد بن جُبير ، قال : كانت الجنّ تستمع ، فلما رُجِموا قالوا : إن هذا الذي حدث في السماء لِشيء حدث في الأرض ، فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبيّ صلى الله عليه وسلم خارجاً من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر ، فذهبوا إلى قومهم . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جُبير ، قال : « لما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم حُرِست السماء ، فقال الشيطان : ما حُرِست إلا لأمر قد حدث في الأرض فبعث سراياه في الأرض ، فوجدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي صلاة الفجر بأصحابه بنَخْلة ، وهو يقرأ ، فاستمعوا حتى إذا فرغ وَلَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ … إلى قوله مُسْتَقِيمٍ » . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ … } إلى آخر الآية ، قال : لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يقعدون مقاعد للسمع فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم حرست السماء حرساً شديداً ، ورُجِمت الشياطين ، فأنكروا ذلك ، وقالوا : { لا نَدْرِي أَشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } فقال إبليس : لقد حدث في الأرض حدث ، واجتمعت إليه الجنّ ، فقال : تفرّقوا في الأرض ، فأخبروني ما هذا الخبر الذي حدث في السماء ، وكان أوّل بعث ركب من أهل نصيبين ، وهي أشراف الجنّ وساداتهم ، فبعثهم إلى تهامة ، فاندفعوا حتى بلغوا الوادي ، وادي نخلة ، فوجدوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة ، فاستمعوا فلما سمعوه يتلو القرآن ، قالوا : أنصتوا ، ولم يكن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين . واختلف أهل التأويل في مبلغ عدد النفر الذين قال الله { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ } فقال بعضهم : كانوا سبعة نفر . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا عبد الحميد ، قال : ثنا النضر بن عربيّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ … } الآية ، قال : كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين ، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم . وقال آخرون : بل كانوا تسعة نفر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زِرّ { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ } قال : كانوا تسعة نفر فيهم زَوْبعة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زرّ بن حبيش ، قال : أنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخلة ، { فَلَمَّا حَضَرُوهُ } قال : كانوا تسعة أحدهم زَوْبَعَة . وقوله : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ } يقول : فلما حضر هؤلاء النفر من الجنّ الذين صرفهم الله إلى رسوله نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . واختلف أهل العلم في صفة حضورهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتعرّفون الأمر الذي حدث من قبله ما حدث في السماء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشعر بمكانهم ، كما قد ذكرنا عن ابن عباس قبل . وكما : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ } قال : ما شعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاؤوا ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهِ فيهم ، وأخبر عنهم . وقال آخرون : بل أمر نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليهم القرآن ، وأنهم جمعوا له بعد أن تقدّم الله إليه بإنذارهم ، وأمره بقراءة القرآن عليهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ } قال : ذكر لنا أنهم صرفُوا إليه من نِيْنَوَى ، قال : فإن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجنّ ، فأيكم يتبعني " ؟ فأطرقوا ، ثم استتبعهم فأطرقوا ، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا ، فقال رجل : يا رسول الله إنك لذو بدئه ، فاتبعه عبد الله بن مسعود ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعباً يقال له شعب الحجون . قال : وخطّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله خطاً ليثبته به ، قال : فجعلت تهوي بي وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها ، وسمعت لغطاً شديداً ، حتى خفت على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا القرآن فلما رجع نبيّ الله قلت : يا نبيّ الله ما اللغط الذي سمعت ؟ قال : " اجتمعوا إليّ في قتيل كان بينهم ، فقُضي بينهم بالحقّ " وذُكر لنا أن ابن مسعود لما قَدِم الكوفة رأى شيوخاً شُمطاً من الزُّط ، فراعوه ، قال : من هؤلاء ؟ قالوا : هؤلاء نفر من الأعاجم ، قال : ما رأيت للذين قرأ عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم الإسلام من الجنّ شبهاً أدنى من هؤلاء . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ذهب وابن مسعود ليلة دعا الجنّ ، فخطّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود خطاً ، ثم قال له : " لا تخرج منه " ثم ذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الجنّ ، فقرأ عليهم القرآن ، ثم رجع إلى ابن مسعود فقال : " هل رأيت شيئاً " ؟ قال : سمعت لغَطاً شديداً ، قال : إن الجنّ تدارأت في قتيل قُتل بينها ، فقُضِي بينهم بالحقّ ، وسألوه الزاد ، فقال : " كل عظم لكم عرق ، وكلّ روث لكم خُضْرة " قالوا : يا رسول الله تقذّرها الناس علينا ، فنهى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بأحدهما فلما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزُّطّ ، وهم قوم طوال سود ، فأفزعوه ، فقال : أظَهَرُوا ؟ فقيل له : إن هؤلاء قوم من الزُّطّ ، فقال ما أشبههم بالنفر الذين صُرِفوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر . عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن عمرو بن غَيلان الثقفيّ أنه قال لابن مسعود : حُدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجنّ ، قال : أجَل ، قال : فكيف كان ؟ فذكر الحديث كله . وذُكِر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خطّ عليه خطاً وقال : " لا تبرح منها " ، فذكر أن مثل العجاجة السوداء غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذُعِر ثلاث مرّات ، حتى إذا كان قريباً من الصبح ، أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أنِمْتَ " ؟ قلت : لا والله ، ولقد هممت مراراً أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول : " اجلسوا " ، قال : " لو خرجتَ لم آمن أن يختطفك بعضهم " ، ثم قال : " هل رأيت شيئاً ؟ " قال : نعم رأيت رجالاً سوداً مستشعري ثياب بيض ، قال : " أولئك جنّ نصيبين ، سألوني المتاع ، والمتاع الزاد ، فمتعتهم بكلّ عظم حائل أو بعرة أو روثة " ، فقلت : يا رسول الله ، وما يغني ذلك عنهم ؟ قال : " إنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَظْماً إلاَّ وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ يَوْمَ أُكِل ، وَلا رَوْثَةً إلاَّ وَجَدُوا فِيها حَبَّها يَوْمَ أُكِلَتْ ، فَلا يَسْتَنْقِيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ إذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ بعَظْمٍ وَلا بَعْرَةٍ وَلا رَوْثَةٍ " حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أبو زُرْعة وهب بن راشد ، قال : قال يونس ، قال ابن شهاب : أخبرني أبو عثمان بن شبة الخزاعي ، وكان من أهل الشام أن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو بمكة : " مَنْ أَحَبَّ منْكُمْ أنْ يَحْضُرَ أمْرَ الجنّ اللَّيْلَةَ فَلْيَفْعَلْ " فلم يحضر منهم أحد غيري ، قال : فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة ، خطّ لي برجله خطاً ، ثم أمرني أن أجلس فيه ، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن ، فغشيته أسودة كبيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، حتى بقي منهم رهط ، ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر ، فانطلق متبرّزاً ، ثم أتاني فقال : " ما فَعَلَ الرَّهْطُ " ؟ قلت : هم أولئك يا رسول الله ، فأخذ عظماً أو روثاً أو جمجمة فأعطاهم إياه زاداً ، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث . حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي عثمان بن شبة الخزاعي ، وكان من أهل الشأم ، أن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء ، إلا أنه قال : فأعطاهم روثاً أو عظماً زاداً ، ولم يذكر الجمجمة . حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي ، قال : أخبرني يونس ، عن الزهريّ ، عن عبيد الله بن عبد الله ، أن ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بِتُّ اللَّيْلَةَ أقْرأُ عَلى الجِنّ رُبُعاً بالحَجُونِ " واختلفوا في الموضع الذي تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه القرآن ، فقال عبد الله بن مسعود قرأ عليهم بالحَجون ، وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك . وقال آخرون : قرأ عليهم بنخلة ، وقد ذكرنا بعض من قال ذلك ، ونذكر من لم نذكره . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا خلاد ، عن زهير بن معاوية ، عن جابر الجعفي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن النفر الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنّ نصيبين أتوه وهو بنخلة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ } قال : لقيهم بنخلة ليلتئذ . وقوله : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أنْصِتُوا } يقول تعالى ذكره : فلما حضروا القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ، قال بعضهم لبعض : أنصتوا لنستمع القرآن . كما : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زِرّ { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أنْصِتُوا } قالوا : صَهْ . قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زِرّ بن حُبَيْش ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أنْصِتُوا } قد علم القوم أنهم لن يعقلوا حتى ينصتوا . وقوله : { فَلَمَّا قُضِيَ } يقول : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراءة وتلاوة القرآن . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، فَلَمَّا قُضِيَ يقول : فلما فرغ من الصلاة { وَلّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ } . وقوله : { وَلَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ } يقول : انصرفوا منذرين عذاب الله على الكفر به . وذُكر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلهم رسلاً إلى قومهم . حدثنا بذلك أبو كُرَيب ، قال : ثنا عبد الحميد الحِمَّانيّ ، قال : ثنا النضر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . وهذا القول خلاف القول الذي رُوي عنه أنه قال : لم يكن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن ، لأنه محال أن يرسلهم إلى آخرين إلا بعد علمه بمكانهم ، إلا أن يقال : لم يعلم بمكانهم في حال استماعهم للقرآن ، ثم علم بعد قبل انصرافهم إلى قومهم ، فأرسلهم رسلاً حينئذٍ إلى قومهم ، وليس ذلك في الخبر الذي روي .