Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مثبته على المضيّ لما قلَّده من عبْءِ الرسالة ، وثقل أحمال النبوّة صلى الله عليه وسلم ، وآمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لَقُوا فيه من قومهم من المكاره ، ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد { فاصْبِرْ } يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذّبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالإنذار { كمَا صَبَرَ أُولُوا العَزْمِ } على القيام بأمر الله ، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره ، ما نالهم فيه من شدّة . وقيل : إن أولي العزم منهم ، كانوا الذين امتُحِنوا في ذات الله في الدنيا بالمِحَن ، فلم تزدهم المحن إلا جدّاً في أمر الله ، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ثوابة بن مسعود ، عن عطاء الخُراسانيّ ، أنه قال { فاصْبِرْ كمَا صَبَرَ أُولُواْ العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فاصْبِرْ كمَا صَبَرَ أُولُواْ العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } كنا نحدَّث أن إبراهيم كان منهم . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فاصْبِرْ كمَا صَبَرَ أُولُواْ العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } قال : كلّ الرسل كانوا أولي عزم لم يتخذ الله رسولاً إلا كان ذا عزم ، فاصبر كما صبروا . حدثنا ابن سنان القزّاز ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : ثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : { فاصْبِرْ كمَا صَبَرَ أُولُواْ العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } قال : سماه الله من شدّته العزم . وقوله : { وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } يقول : ولا تستعجل عليهم بالعذاب ، يقول : لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم فإن ذلك نازل بهم لا محالة { كأنَّهُمْ يومَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ } يقول : كأنهم يوم يرون عذاب الله الذي يعدهم أنه منزله بهم ، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار ، لأنه ينسيهم شدّة ما ينزل بهم من عذابه ، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا ، ومبلغ ما فيها مكثوا من السنين والشهور ، كما قال جلّ ثناؤه : { قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِين قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ العادّينَ } وقوله : { بَلاغٌ } فِيهِ وجهان : أحدهما أن يكون معناه : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ذلك لبث بلاغ ، بمعنى : ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم ، ثم حذفت ذلك لبث ، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها . والآخر : أن يكون معناه : هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية ، إن فكَّروا واعتبروا فتذكروا . وقوله : { فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ القَوْمُ الفاسِقُونَ } يقول تعالى ذكره : فهل يهلك الله بعذابه إذا أنزله إلا القوم الذين خالفوا أمره ، وخرجوا عن طاعته وكفروا به . ومعنى الكلام : وما يهلك الله إلا القوم الفاسقين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ القَوْمُ الفاسِقُونَ } تَعَلَّموا ما يهلك على الله إلا هالك ولى الإسلام ظهرَه أو منافق صدّق بلسانه وخالف بعمله . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أيُّمَا عَبْدٍ مِنْ أُمَّتِي هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ وَاحدَةٌ ، وَإنْ عَمِلها كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ أمْثالِهَا . وأيُّمَا عَبْدٍ هَمَّ بسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ ، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ كانَ يَتْبَعُها ، ويَمْحُوها اللَّهُ وَلا يَهْلِكُ إلاَّ هالِكٌ " .