Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك : أرأيتم أيها القوم الآلهة والأوثان التي تعبدون من دون الله ، أروني أيّ شيء خلقوا من الأرض ، فإن ربي خلق الأرض كلها ، فدعوتموها من أجل خلقها ما خلقت من ذلك آلهة وأرباباً ، فيكون لكم بذلك في عبادتكم إياها حجة ، فإن من حجتي على عبادتي إلهي ، وإفرادي له الألوهة ، أنه خلق الأرض فابتدعها من غير أصل . وقوله : { أمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ } يقول تعالى ذكره : أم لآلهتكم التي تعبدونها أيها الناس شرك مع الله في السموات السبع ، فيكون لكم أيضاً بذلك حجة في عبادتكموها ، فإن من حجتي على إفرادي العبادة لربي ، أنه لا شريك له في خلقها ، وأنه المنفرد بخلقها دون كلّ ما سواه . وقوله : ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبَلِ هَذَا يقول تعالى ذكره : بكتاب جاء من عند الله من قبل هذا القرآن الذي أُنزل عليّ ، بأن ما تعبدون من الآلهة والأوثان خلقوا من الأرض شيئاً ، أو أن لهم مع الله شركاً في السموات ، فيكون ذلك حجة لكم على عبادتكم إياها ، لأنها إذا صحّ لها ذلك صحت لها الشركة في النِّعم التي أنتم فيها ، ووجب لها عليكم الشكر ، واستحقت منكم الخدمة ، لأن ذلك لا يقدر أن يخلقه إلا الله . وقوله : { أوْ أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق { أوْ أثارةٍ من علم } بالألف ، بمعنى : أو ائتوني ببقية من علم . ورُوي عن أبي عبد الرحمن السلميّ أنه كان يقرأه « أوْ أثَرَةٍ من علم » ، بمعنى : أو خاصة من علم أوتيتموه ، وأوثرتم به على غيركم ، والقراءة التي لا أستجيز غيرها { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } بالألف ، لإجماع قرّاء الأمصار عليها . واختلف أهل التأويل في تأويلها ، فقال بعضهم : معناه : أو ائتوني بعلم بأن آلهتكم خَلَقت من الأرض شيئاً ، وأن لها شركاً في السموات من قبل الخطّ الذي تخطونه في الأرض ، فإنكم معشر العرب أهل عيافة وزجر وكهانة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن آدم ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : خط كان يخطه العرب في الأرض . حدثنا أبو كُرَيْب ، قال : قال أبو بكر : يعني ابن عياش : الخط : هو العيافة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أو خاصة من علم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : أو خاصة من علم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : أي خاصة من علم . حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثني أبي ، عن الحسين ، عن قتادة { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : خاصة من علم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أو علم تُثيرونه فتستخرجونه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : أثارة شيء يستخرجونه فِطْرة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أو تأثرون ذلك علماً عن أحد ممن قبلكم ؟ ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : أحد يأثر علماً . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أو ببينة من الأمر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } يقول : ببينة من الأمر . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ببقية من علم . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُريب ، قال : سُئل أبو بكر ، يعني ابن عياش عن { أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } قال : بقية من علم . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : الأثارة : البقية من علم ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، وهي مصدر من قول القائل : أثر الشيء أثارة ، مثل سمج سماجة ، وقبح قباحة ، كما قال راعي الإبل : @ وذاتِ أثارةٍ أكَلَتْ عَلَيْها نَبَاتاً فِي أكِمتِهِ قَفَارَا @@ يعني : وذات بقية من شحم ، فأما من قرأه أوْ أثَرةٍ فإنه جعله أثرة من الأثر ، كما قيل : قترة وغبرة . وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأه « أوْ أثْرةٍ » بسكون الثاء ، مثل الرجفة والخطفة ، وإذا وجه ذلك إلى ما قلنا فيه من أنه بقية من علم ، جاز أن تكون تلك البقية من علم الخط ، ومن علم استثير من كُتب الأوّلين ، ومن خاصة علم كانوا أوثروا به . وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر بأنه تأوّله أنه بمعنى الخط ، سنذكره إن شاء الله تعالى ، فتأويل الكلام إذن : ائتوني أيها القوم بكتاب من قبل هذا الكتاب ، بتحقيق ما سألتكم تحقيقه من الحجة على دعواكم ما تدّعون لآلهتكم ، أو ببقية من علم يوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك { إنْ كُنْتُمْ صادِقِين } في دعواكم لها ما تدّعون ، فإن الدعوى إذا لم يكن معها حجة لم تُغنِ عن المدّعي شيئاً .