Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 109-109)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : واتقوا الله أيها الناس ، واسمعوا وعظه إياكم وتذكيره لكم ، واحذروا يوم يجمع الله الرسل . ثم حذف « واحذروا » واكتفى بقوله : { وَاتَّقُوا اللّهَ واسمَعُوا } عن إظهاره ، كما قال الراجز : @ عَلَفْتُها تِبْناً وَماءً بارِداً حتى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْناها @@ يريد : وسقيتها ماء بارداً ، فاستغنى بقوله « علفتها تبناً » من إظهار سقيتها ، إذ كان السامع إذا سمعه عرف معناه . فكذلك في قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ } حذف « واحذروا » لعلم السامع معناه ، اكتفاء بقوله : { وَاتَّقُوا اللّهَ واسمَعُوا } إذ كان ذلك تحذيراً من أمر الله تعالى خلقه عقابه على معاصيه . وأما قوله : { ماذَا أُجِبْتُمْ } فإنه يعني به : ما الذي أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى توحيدي والإقرار بي والعمل بطاعتي والانتهاء عن معصيتي ؟ قالوا : لا علم لنا . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى قولهم : { لا عِلْمَ لَنا } لم يكن ذلك من الرسل إنكاراً أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم ، ولكنهم ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم ، ثم أجابوا بعد أن ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا } قال : ذلك أنهم لما نزلوا منزلاً ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا ، قالوا : لا علم لنا . ثم نزلوا منزلاً آخر ، فشهدوا على قومهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، قال : سمعت الحسن يقول ، في قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ } … الآية ، قال : من هول ذلك اليوم . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن الأعمش ، عن مجاهد في قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ } فيفزعون ، فيقول : ماذا أجبتم ؟ فيقولون : { لا عِلْمَ لَنا } . وقال آخرون : معنى ذلك : لا علم لنا إلا ما علمتنا . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ } فيقولون : { قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلاَّ ما عَلَّمْتَنا إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } . وقال آخرون : معنى ذلك : قالوا لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا } إلا علم أنت أعلم به منا . وقال آخرون : معنى ذلك { ماذَا أُجِبْتُمْ } : ماذا عملوا بعدكم ؟ وماذا أحدثوا ؟ . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ } : ماذا عملوا بعدكم ، وماذا أحدثوا بعدكم ؟ قالوا : { قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } . وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : معناه : لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا ، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا : { لا عِلْمَ لَنا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } : أي أنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفي العلوم وجليها . فإنما نفي القوم أن يكون لهم بما سئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره ، لا أنهم نفوا أن يكونوا علموا ما شاهدوا ، كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنهم يخبرون بما أجابتهم به الأمم وأنهم سيشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء ، فقال تعالى ذكره : { وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } وأما الذي قاله ابن جريج من أن معناه : ماذا عملت الأمم بعدكم ؟ وماذا أحدثوا ؟ فتأويل لا معنى له ، لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يحدث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك ، وإذا سئلت عما عملت الأمم بعدها والأمر كذلك فإنما يقال لها : ماذا عرّفناك أنه كائن منهم بعدك ؟ وظاهر خبر الله تعالى ذكره عن مسألته إياهم يدلّ على غير ذلك