Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 119-119)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ } فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة : " هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ " بنصب « يوم » . وقرأ بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة وعامَّة قرّاء أهل العراق : { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ } برفع يوم . فمن رفعه رفعه بهذا ، وجعل « يوم » اسماً ، وإن كانت إضافته غير محضة ، لأنه صار كالمنعوت . وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل اليوم والليلة عملهم فيما بعدها ، إن كان ما بعدها رفعاً رفعوها ، كقولهم : هذا يومُ يركب الأمير ، وليلةُ يصدر الحاج ، ويومُ أخوك منطلق وإن كان ما بعدها نصباً نصبوها ، وكذلك كقولهم : هذا يومَ خرج الجيش وسار الناس ، وليلةَ قتل زيد ونحو ذلك ، وإن كان معناها في الحالين : « إذ » ، و « إذا » . وكأنَّ من قرأ هذا هكذا رفعاً وجه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة ، وكذلك كان السديّ يقول في ذلك . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } هذا فصل من كلام عيسى ، وهذا يوم القيامة . يعني السدي بقوله : « هذا فصل من كلام عيسى » أن قوله : { سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَق } إلى قوله : { فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } من خبر الله عزّ وجلّ عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه ، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة . وأما النصب في ذلك ، فإنه يتوجه من وجهين : أحدهما : أن إضافة « يوم » ما لم تكن إلى اسم تجعله نصباً ، لأن الإضافة غير محضة ، وإنما تكون الإضافة محضة إذا أضيف إلى اسم صحيح . ونظير اليوم في ذلك الحين والزمان وما أشبههما من الأزمنة ، كما قال النابغة : @ على حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبا وقَلْتُ أَلمَّا أصْحُ والشَّيْبُ وَازِعُ @@ والوجه الآخر : أن يكون مراداً بالكلام هذا الأمر وهذا الشأن ، « يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ » فيكون اليوم حينئذ منصوباً على الوقت والصفة ، بمعنى : هذا الأمر في يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ . وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : « هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ » بنصب اليوم على أنه منصوب على الوقت والصفة ، لأن معنى الكلام : أن الله تعالى أجاب عيسى حين قال : { سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } إلى قوله : { فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } فقال له عزّ وجلّ : هذا القول النافع أو هذا الصدق النافع يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فاليوم وقت القول والصدق النافع . فإن قال قائل : فما موضع « هذا » ؟ قيل رفع فإن قال : فأين رافعه ؟ قيل مضمر ، وكأنه قال : قال الله عزّ وجلّ : هذا ، هذا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ، كما قال الشاعر : @ أما تَرَى السَّحابَ كَيْفَ يَجْرِي هَذَا وَلا خَيْلُكَ يا ابْنَ بِشْرِ @@ يريد : هذا هذا ، ولا خيلك . فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا لما بينا : قال الله لعيسى : هذا القول النافع في يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ في الدنيا صِدْقُهُمْ ذلك في الآخرة عند الله . { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ } يقول : للصادقين في الدنيا جناتٌ تجري من تحتها الأنهار في الآخرة ثواباً لهم من الله عزّ وجلّ ، على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه ، فوفوا به لله ، فوفى الله عزّ وجلّ لهم ما وعدهم من ثوابه . { خالِدِينَ فِيها أبَداً } يقول : باقين في الجنات التي أعطاهموها أبداً دائماً لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول . وقد بينا فيما مضى أن معنى الخلود : الدوام والبقاء . القول في تأويل قوله تعالى : { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ } . يقول تعالى ذكره : رضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه من العمل بطاعته واجتناب معاصيه ، { ورَضُوا عَنْهُ } يقول : ورضوا هم عن الله تعالى في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه ، فيما أمرهم ونهاهم من جزيل ثوابه . { ذلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ } يقول : هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ، مرضيًّا عنهم ، وراضين عن ربهم ، هو الظفر العظيم بالطَّلِبة وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا ، ولها كانوا يعملون فيها ، فنالوا ما طلبوا وأدركوا ما أملوا .