Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ } من جَرَّ ذلك وجريرته وجنايته ، يقول : من جرّ القاتل أخاه من ابنـي آدم اللذَين اقتصصنا قصتهما الـجريرة التـي جرّها وجنايته التـي جناها ، كتبنا علـى بنـي إسرائيـل . يقال منه : أجَلْتُ هذا الأمر : أي جررته إلـيه وكسبته آجُلُه له أجْلاً ، كقولك : أخذته أخذاً ، ومن ذلك قول الشاعر : @ وأهْلِ خِبـاءٍ صَالـحٍ ذاتُ بَـيْنِهِمْ قَد احْتَرَبوا فِـي عاجِلٍ أنا آجِلُهْ @@ يعنـي بقوله : أنا آجله : آنا الـجارّ ذلك علـيهم والـجانـي . فمعنى الكلام : من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلـماً ، حكمنا علـي بنـي إسرائيـل أنه من قتل منهم نفساً ظلـماً بغير نفس قَتَلت فُقِتل بها قصاصاً { أو فَسَادٍ فـي الأرْضِ } يقول : أو قتل منهم نفساً بغير فساد كان منها فـي الأرض ، فـاستـحقت بذلك قتلها . وفسادها فـي الأرض إنـما يكون بـالـحرب لله ولرسوله وإخافة السبـيـل . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنـي عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ } يقول : من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلـماً . ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله جلّ ثناؤه : { مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْياها فَكأنَّـما أحيْا النَّاس جَمِيعاً } فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن قتل نبـياً أو إمام عدل ، فكأنـما قتل الناس جميعاً ، ومن شدّ علـى عضد نبـيّ أو إمام عدل ، فكأنـما أحيا الناس جميعاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو عمار حسين بن حُرَيْثٍ الـمَرْوَزِيّ ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن الـحسين بن واقد ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسع جَمِيعاً وَمَنْ أحْياها فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : من شدّ علـى عضد نبـيّ أو إمام عدل فكأنـما أحيا الناس جميعاً . ومن قتل نبـياً أو إمام عدل فكأنـما قتل الناس جميعاً . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إْسرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَّـما قَتَلَ النَّاس جَمِيعاً } يقول : من قتل نفساً واحدة حرّمتها ، فهو مثل من قتل الناس جميعاً . { وَمَنْ أحْياها } يقول : من ترك قتل نفس واحدة حرّمتها مخافتـي واستـحياها أن يقتلها ، فهو مثل استـحياء الناس جميعاً يعنـي بذلك الأنبـياء عليهم السلام . وقال آخرون : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } عند الـمقتول فـي الإثم { وَمَنْ أحيْاها } فـاستنقذها من هلكة { فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } عند الـمستنقذ . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـيـما ذكر عن أبـي مالك ، وعن أبـي صالـح ، عن ابن عبـاس ، وعن مرّة الهمدانـي ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } عند الـمقتول ، يقول فـي الإثم : ومن أحياها فـاستنقذها من هلكة ، فكأنـما أحيا الناس جميعاً عند الـمستنقَذ . وقال آخرون : معنى ذلك : أن قاتل النفس الـمـحرّم قتلها يصلـي النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها : من سلـم من قتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن خَصِيف ، عن مـجاهد ، عن ابن عبـاس ، قال : { مَنْ أحْياها فَكأنَـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : من كفّ عن قتلها فقد أحياها ، ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنـما قتل الناس جميعاً . قال : ومن أوبقها . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفـيان ، عن خصيف ، عن مـجاهد ، قال : من أوبق نفساً فكما لو قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها وسلـم من طلبها فلـم يقتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعاً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مـجاهد : { فَكأنَـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْياها فَكأنَـما أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } لـم يقتلها ، وقد سلـم منه الناس جميعاً لـم يقتل أحداً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن الأوزاعي ، قال : أخبرنا عبدة ابن أبـي لُبـابة ، قال : سألت مـجاهداً ، أو سمعته يُسْئل عن قوله : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال : لو قتل الناس جميعاً كان جزاؤه جهنـم خالداً فـيها ، وغضب الله علـيه ولعنه ، وأعدّ له عذابـاً عظيـماً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن ابن جريج قراءة ، عن الأعرج ، عن مـجاهد فـي قوله : { فَكأنَـما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال : الذي يقتل النفس الـمؤمنة متعمداً ، جعل الله جزاءه جهنـم ، وغضب الله علـيه ولعنه ، وأعدّ له عذابـاً عظيـماً يقول : لو قتل الناس جميعاً لـم يزد علـى مثل ذلك من العذاب قال ابن جريج ، قال مـجاهد : { وَمَنْ أحْياها فَكأنَـما أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : من لـم يقتل أحداً فقد استراح الناس منه . حدثنا سفـيان ، قال : ثنا يحيى بن يـمان ، عن سفـيان ، عن خصيف ، عن مـجاهد ، قال : أوبق نفساً . حدثنا سفـيان ، قال : ثنا يحيى بن يـمان ، عن سفـيان ، عن منصور ، عن مـجاهد ، قال : فـي الإثم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن لـيث ، عن مـجاهد : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } ، وقوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء : 93 ] قال : يصير إلـى جهنـم بقتل الـمؤمن ، كما أنه لو قتل الناس جميعاً لصار إلـى جهنـم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال : هو كما قال . وقال : { وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } فإحياؤها لا يقتل نفساً حرّمها الله ، فذلك الذي أحيا الناس جميعاً ، يعنـي أنه من حرّم قتلها إلا بحقّ حيـي الناس منه جميعاً . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن العلاء بن عبد الكريـم ، عن مـجاهد : { وَمَنْ أحيْاها } قال : ومن حرّمها فلـم يقلتها . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن العلاء ، قال : سمعت مـجاهداً يقول : { مَنْ أحْياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : من كفّ عن قتلها فقد أحياها . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال : هي كالتـي فـي النساء : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء : 93 ] فـي جزائه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : فَكأنـمَا قَتَل النَّاسَ جَمِيعاً كالتـي فـي سورة النساء : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] فـي جزائه { وَمَنْ أحْياها } ولـم يقتل أحداً فقد حيـي الناس منه . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن العلاء بن عبد الكريـم ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : التفت إلـى جلسائه فقال : هو هذا وهذا . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد فـي الأرض فكأنـما قتل الناس جميعاً ، لأنه يجب علـيه من القصاص به والقود بقتله ، مثل الذي يجب علـيه من القود والقصاص لو قتل الناس جميعاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال : يجب علـيه من القتل مثل لو أنه قتل الناس جميعاً . قال : كان أبـي يقول ذلك . وقال آخرون : معنى قوله : { وَمَنْ أحيْاها } من عفـا عمن وجب له القصاص منه فلـم يقتله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَمنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } يقول : من أحياها أعطاه الله جلّ وعزّ من الأجر مثلَ لو أنه أحيا الناس جميعاً . أحياها فلـم يقتلها وعفـا عنها . قال : وذلك ولـيّ القتـيـل ، والقتـيـل نفسه يعفو عنه قبل أن يـموت . قال : كان أبـي يقول ذلك . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفـيان ، عن يونس ، عن الـحسن فـي قوله : { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيَعاً } قال : من عفـا . حدثنا سفـيان ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، عن يونس ، عن الـحسن : { وَمَنْ أحياها فَكأنَّـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : من قُتل حميـم له فعفـا عن دمه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن يـمان ، عن سفـيان ، عن يونس ، عن الـحسن : { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : العفو بعد القدرة . وقال آخرون : معنى قوله : { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } ومن أنـجاها من غرق أو حرق . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مـجاهد : { وَمَنْ أحياها فَكأنَـما أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : من أنـجاها من غَرَقٍ أو حَرَقٍ أو هلكة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، وحدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن سفـيان ، عن منصور ، عن مـجاهد : { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاس جَمِيعاً } قال : من غَرَق أو حَرَق أو هَدَم . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن خصيف ، عن مـجاهد : { وَمَنْ أحياها } قال : أنـجاها . وقال الضحاك بـما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن يـمان ، عن سفـيان ، عن أبـي عامر ، عن الضحاك ، قال : { مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ } قال : من توّرع أو لـم يتورّع . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنـي عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { فكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } يقول : لو لـم يقتله لكان قد أحيا الناس ، فلـم يستـحلّ مـحرّماً . وقال قتادة والـحسن فـي ذلك بـما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، عن يونس ، عن الـحسن : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ } قال : عَظُم ذلك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ } … الآية : من قتلها علـى غير نفس ولا فساد أفسدته { فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } عظُم والله أجْرُها ، وعظُم وِزْرُها فأحيها يا ابن آدم بـمالك ، وأحيها بعفوك إن استطعت ، ولا قوّة إلا بـالله . وإنا لا نعلـمه يحلّ دم رجل مسلـم من أهل هذه القبلة إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه فعلـيه القتل ، أو زنى بعد إحصانه فعلـيه الرجم ، أو قتل متعمداً فعلـيه القَوَد . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : تلا قتادة : { مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } قال : عَظُم والله أجرُها ، وَعظُم والله وِزْرُها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن سلام بن مسكين ، قال : ثنـي سلـيـمان بن علـيّ الرَّبْعي ، قال : قلت للـحسن : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } … الآية ، أهي لنا يا أبـا سعيد كما كانت لبنـي إسرائيـل ؟ فقال : إي والذي لا إله غيره ، كما كانت لبنـي إسرائيـل وما جعل دماء بنـي إسرائيـل أكرم علـى الله من دمائنا . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن سعيد بن زيد ، قال : سمعت خالداً أبـا الفضل ، قال : سمعت الـحسن تلا هذه الآية : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [ المائدة : 30 ] … إلـى قوله : { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } ثم قال : عَظَّم والله فـي الوزر كما تسمعون ، ورغّب والله فـي الأجر كما تسمعون إذا ظننت يا ابن آدم أنك لو قتلت الناس جميعاً فإن لك من عملك ما تفوز به من النار ، كَذَبَتْك والله نفسك ، وكَذَبَكَ الشيطان . حدثنا هناد ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن عاصم ، عن الـحسن فـي قوله : { فَكأنَـما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال : وزراً { وَمَنْ أحياها فَكأنَّـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } . قال : أجراً . وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال : تأويـل ذلك أنه من قتل نفساً مؤمنة بغير نفس قتلتها فـاستـحقت القود بها والقتل قصاصاً ، أو بغير فساد فـي الأرض ، بحرب الله ورسوله وحرب الـمؤمنـين فـيها ، فكأنـما قتل الناس جميعاً فـيـما استوجب من عظيـم العقوبة من الله جلّ ثناؤه ، كما أوعده ذلك من فعله ربُّه بقوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء : 93 ] . وأما قوله : { وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } فأولـى التأويلات به قول من قال : من حرّم قتل من حرّم الله عزّ ذكره قتَله علـى نفسه ، فلـم يتقدم علـى قتله ، فقد حِيـيَ الناس منه بسلامتهم منه ، وذلك إحياؤه إياها . وذلك نظير خبر الله عزّ ذكره عمن حاجّ إبراهيـم فـي ربه ، إذ قال له إبراهيـم : { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] . فكان معنى الكافر فـي قـيـله : أنا أحيي وأميت : أنا أترك من قدرت علـى قتله وفـي قوله : وأميت : قَتْلُه من قتله . فكذلك معن الإحياء فـي قوله : { وَمَنْ أحْياها } : من سلـم الناس من قتله إياهم ، إلا فـيـما أذن الله فـي قتله منهم { فَكأنـمَا أحْيا النَّاسَ جَمِيعاً } . وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات بتأويـل الآية ، لأنه لا نفس يقوم قتلها فـي عاجل الضرّ مقام قتل جميع النفوس ، ولا إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس فـي عاجل النفع ، فكان معلوماً بذلك أن معنى الإحياء : سلامة جميع النفوس منه ، لأنه من لـم يتقدم علـى نفس واحدة ، فقد سلـم منه جميع النفوس ، وأن الواحدة منها التـي يقوم قتلها مقام جميعها إنـما هو فـي الوزر ، لأنه لا نفس من نفوس بنـي آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها وإن كان فقد بعضها أعمّ ضرراً من فقد بعض . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ولَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بـالبَـيِّناتِ ثُمَّ إنَّ كَثِـيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فـي الأرْضِ لَـمُسْرِفُونَ } . وهذا قسم من الله جلّ ثناؤه أقسم به ، إن رسله صلوات الله علـيهم قد أتت بنـي إسرائيـل الذين قصّ الله قصصهم وذكر نبأهم فـي الآيات التـي تقدمت من قوله : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } [ المائدة : 11 ] إلـى هذا الـموضع . { بـالبَـيِّناتِ } يعنـي : بـالآيات الواضحة ، والـحجج البـينة علـى حقـية ما أرسلوا به إلـيهم وصحة ما دعوهم إلـيه من الإيـمان بهم وأداء فرائض الله علـيهم ، يقول الله عزّ ذكره : { ثُمَّ إنَّ كَثِـيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِـي الأرْضِ لَـمُسْرِفُونَ } يعنـي أن كثـيراً من بنـي إسرائيـل ، والهاء والـميـم فـي قوله : { ثُمَّ إنَّ كَثِـيراً مِنْهُمْ } من ذكر بنـي إسرائيـل ، وكذلك ذلك فـي قوله : { وَلَقَدْ جاءتْهُمْ } بعد ذلك ، يعنـي بعد مـجيـيء رسل الله بـالبـينات فـي الأرض . { لـمُسْرِفُونَ } يعنـي : أنهم فـي الأرض لعاملون بـمعاصي الله ، ومخالفون أمر الله ونهيه ، ومـحادوا الله ورْسلِهِ ، بـاتبـاعهم أهواءهم وخلافهم علـى أنبـيائهم وذلك كان إسرافهم فـي الأرض .