Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 38-38)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول جلّ ثناؤه : ومن سرق من رجل أو امرأة ، فـاقطعوا أيها الناس يده . ولذلك رفع السارق والسارقة ، لأنهما غير معينـين ، ولو أريد بذلك سارق وسارقة بأعيانهما لكان وجه الكلام النصب . وقد رُوي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ ذلك : « والسارقو ن والسارقات » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن ابن عون ، عن إبراهيـم ، قال : فـي قراءتنا قال : وربـما قال فـي قراءة عبد الله : « والسارقون والسارقات فـاقطعوا أيـمانهما » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن علـية ، عن ابن عون ، عن إبراهيـم : فـي قراءتنا : « والسارقون والسارقات فـاقطعوا أيـمانهما » . وفـي ذلك دلـيـل علـى صحة ما قلنا من معناه ، وصحة الرفع فـيه ، وأن السارق والسارقة مرفوعان بفعلهما علـى ما وصفت للعلل التـي وصفت . وقال تعالـى ذكره : { فـاقْطَعُوا أيْدِيَهُما } والـمعنى أيديهما الـيـمنى كما : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { فـاقْطَعُوا أيْدِيَهُما } : الـيـمنى . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن جابر ، عن عامر ، قال : فـي قراءة عبد الله : « والسارق والسارقة فـاقطعوا أيـمانهما » . ثم اختلفوا فـي السارق الذي عناه الله ، فقال بعضهم : عنـي بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعداً وذلك قول جماعة من أهل الـمدينة ، منهم مالك بن أنس ومن قال بقوله . واحتـجوا لقولهم ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم « قطع فـي مـجنّ قـيـمته ثلاثة دراهم » . وقال آخرون : بل عنى بذلك : سارق ربع دينار أو قـيـمته . ومـمن قال ذلك الأوزاعي ومن قال بقوله . واحتـجوا لقولهم ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القَطْعُ فـي رُبْعِ دينارٍ فَصَاعِداً " وقال آخرون : بل عنـي بذلك سارق عشرة دراهم فصاعداً . ومـمن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه . واحتـجوا فـي ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عبد الله بن عمر وابن عبـاس ، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم « قطع فـي مـجنّ قـيـمته عشرة دراهم » . وقال آخرون : بل عنـي بذلك سارق القلـيـل والكثـير . واحتـجوا فـي ذلك بأن الآية علـى الظاهر ، وأنه لـيس لأحد أن يخصّ منها شيئاً إلاَّ بحجة يجب التسلـيـم لها . وقالوا : لـم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بأن ذلك فـي خاصّ من السُّرَّاق . قالوا : والأخبـار فـيـما قَطَع فـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربة مختلفة ، ولـم يرو عنه أحد أنه أُتِـي بسارق درهم فخـلَّـى عنه ، وإنـما رووا عنه أنه قطع فـي مـجنّ قـيـمته ثلاثة دراهم . قالوا : ومـمكن أن يكون لو أتـى بسارق ما قـيـمته دانق أن يقطع . قالوا : وقد قطع ابن الزبـير فـي درهم . ورُوي عن ابن عبـاس أنه قال : الآية علـى العموم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد الـمؤمن ، عن نـجدة الـحنفـي ، قال : سألت ابن عبـاس عن قوله : { وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ } أخاصّ أم عامّ ؟ فقال : بل عامّ . والصواب من القول فـي ذلك عندنا قول من قال : الآية معنـيّ بها خاصّ من السراق ، وهو سراق ربع دينار فصاعداً أو قـيـمته ، لصحة الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القَطْعُ فـي رُبعِ دِينَارٍ فصَاعِداً " وقد استقصيت ذكر أقوال الـمختلفـين فـي ذلك مع عللهم التـي اعتلوا بها لأقوالهم ، والتلـميح عن أوْلاها بـالصواب بشواهده فـي كتابنا كتاب السرقة ، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك فـي هذا الـموضع . وقوله : { جَزَاءً بِـمَا كَسَبـا نَكالاً مِنَ اللّهِ } يقول : مكافأة لهما علـى سرقتهما وعملهما فـي التلصص بـمعصية الله . { نَكَالاً مِنَ الله } يقول : عقوبة من الله علـى لصوصيتهما . وكان قتادة يقول فـي ذلك ما : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فـاقْطَعُوا أيدِيَهُما جَزَاءً بِـمَا كَسَبـا نِكالاً مِنَ اللّهِ وَالله عَزَيزٌ حَكيـمٌ } : لا تَرْثُوا لهم أن تقـيـموا فـيهم الـحدود ، فإنه والله ما أمر الله بأمر قطُّ إلاَّ وهو صلاح ، ولا نهى عن أمر قطُّ إلاَّ وهو فساد . وكان عمر بن الـخطاب يقول : اشتدّوا علـى السُّراق فـاقطعوهم يداً يداً ورِجلاً رجلاً . وقوله : { وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكيـمٌ } يقول جلّ ثناؤه : والله عزيز فـي انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل معاصيه ، حكيـم فـي حكمه فـيهم وقضائه علـيهم . يقول : فلا تفرطوا إيها الـمؤمنون فـي إقامة حكمي علـى السراق وغيرهم من أهل الـجرائم الذين أوجبت علـيهم حدوداً فـي الدنـيا عقوبة لهم ، فإنـي بحكمي قضيت ذلك علـيهم ، وعلـمي بصلاح ذلك لهم ولكم .