Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا } : أي صدّقوا الله ورسوله ، { لا تَتَّـخِذُوا الَّذِينَ اتَّـخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِبـاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } يعنـي الـيهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبـياء ، وأنزلت علـيهم الكتب من قبل بعث نبـينا صلى الله عليه وسلم ومن قبل نزول كتابنا أولـياء . يقول : لا تتـخذوهم أيها الـمؤمنون أنصاراً وإخواناً وحلفـاء ، فإنهم لا يألونكم خبـالاً وإن أظهروا لكم مودّة وصداقة . وكان اتـخاذ هؤلاء الـيهود الذين أخبر الله عنهم الـمؤمنـين أنهم اتـخذوا دينهم هزواً ولعبـاً الدين علـى ما وصفهم به ربنا تعالـى ذكره ، أن أحدهم كان يظهر للـمؤمنـين الإيـمان وهو علـى كفره مقـيـم ، ثم يراجع الكفر بعد يسير من الـمدّة بإظهار ذلك بلسانه قولاً بعد أن كان يبدي بلسانه الإيـمان قولاً وهو للكفر مستبطن ، تلعبـاً بـالدين واستهزاء به ، كما أخبر تعالـى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله : { وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإذَا خَـلَوْا إلـى شيَاطِينِهمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ويَـمُدُّهُمْ فِـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاء الـخبر عن ابن عبـاس . حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب ، قالا : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنـي ابن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت ، قال : ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : كان رفـاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الـحرث قد أظهرا الإسلام ، ثم نافقا ، وكان رجال من الـمسلـمين يوادّونهما ، فأنزل الله فـيهما : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الَّذِينَ اتَّـخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِبـاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفَّـارَ أوْلِـياءَ … } إلـى قوله : { وَاللّهُ أعلَـمُ بِـمَا كانُوا يَكْتُـمُونَ } فقد أبـان هذا الـخبر عن صحة ما قلنا من أن اتـخاذ من اتـخذ دين الله هزواً ولعبـاً من أهل الكتاب الذين ذكرهم الله فـي هذه الآية ، إنـما كان بـالنفـاق منهم وإظهارهم للـمؤمنـين الإيـمان واستبطانهم الكفر وقـيـلهم لشياطينهم من الـيهود إذا خـلو بهم : إنا معكم . فنهى الله عن موادّتهم ومـحالفتهم ، والتـمسك بحلفهم والاعتداء بهم أولـياء ، وأعلـمهم أنهم لا يألونهم خبـالاً ، وفـي دينهم طعناً وعلـيه إزراء . وأما الكفـار الذين ذكرهم الله تعالـى ذكره فـي قوله : { مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفَّـارَ أوْلِـياءَ } فإنهم الـمشركون من عبدة الأوثان نهى الله الـمؤمنـين أن يتـخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر أولـياء دون الـمؤمنـين . وكان ابن مسعود فـيـما : حدثنـي به أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن ابن مسعود ، يقرأ : « مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِين أشْرَكُوا » . ففـي هذا بـيان صحة التأويـل الذي تأوّلناه فـي ذلك . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته جماعة من أهل الـحجاز والبصرة والكوفة : « والكُفَّـارِ أوْلِـياءَ » بخفض « الكفـار » ، بـمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزواً ولعبـاً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، ومن الكفـار أولـياء . وكذلك ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب فـيـما بلغنا : « من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفـارِ أولـياء » . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة : { والكُفَّـارَ أوْلِـياءَ } بـالنصب ، بـمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزواً ولعبـاً والكفـارَ ، عطفـاً بـالكفـار علـى الذين اتـخذوا . والصواب من القول فـي ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متفقتا الـمعنى صحيحتا الـمخرَج ، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فقد أصاب لأن النهي عن اتـخاذ ولـيّ من الكفـار نهي عن اتـخاذ جميعهم أولـياء ، والنهي عن اتـخاذ جميعهم أولـياء نهي عن اتـخاذ بعضهم ولـياً . وذلك أنه غير مشكل علـى أحد من أهل الإسلام أن الله تعالـى ذكره إذا حرّم اتـخاذ ولـيّ من الـمشركين علـى الـمؤمنـين ، أنه لـم يبح لهم اتـخاذ جميعهم أولـياء ، ولا إذا حرم اتـخاذ جميعهم أولـياء أنه لـم يخصص إبـاحة اتـخاذ بعضهم ولـياً ، فـيجب من أجل إشكال ذلك علـيهم طلب الدلـيـل علـى أولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب . وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء قرأ القارىء بـالـخفض أو بـالنصب لـما ذكرنا من العلة . وأما قوله : { وَاتَّقُوا اللّهَ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ } فإنه يعنـي : وخافوا الله أيها الـمؤمنون فـي هؤلاء الذين اتـخذوا دينكم هزواً ولعبـاً من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفـار أن تتـخذوهم أولـياء ونصراء ، وارهبوا عقوبته فـي فعل ذلك إن فعلتـموه بعد تقدّمه إلـيكم بـالنهي عنه إن كنتـم تؤمنون بـالله وتصدّقونه علـى وعيده علـى معصيته .