Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 75-75)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا خبرٌ من الله تعالـى ذكره احتـجاجاً لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى فرق النصارى فـي قولهم فـي الـمسيح . يقول مكذّبـاً للـيعقوبـية فـي قـيـلهم : هو الله ، والآخرين فـي قـيـلهم : هو ابن الله : لـيس القول كما قال هؤلاء الكفرة فـي الـمسيح ، ولكنه ابن مريـم ولدته ولادة الأمهات أبناءهنّ ، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر ، وإنـما هو لله رسول كسائر رسله الذين كانوا قبله فمضوا وخـلوا ، أجرى علـى يده ما شاء أن يجريه علـيها من الآيات والعبر حجة له علـى صدقه وعلـى أنه لله رسول إلـى من أرسله إلـيه من خـلقه ، كما أجرى علـى أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعبر حجة لهم علـى حقـيقة صدقهم فـي أنهم لله رسل . { وأُمُّهُ صِدّيقَة } يقول تعالـى ذكره : وأمّ الـمسيح صدّيقة ، والصدّيقة : الفِعِّيـلة من الصدق ، وكذلك قولهم فلان صدّيق : فعيـل من الصدق ، ومنه قوله تعالـى ذكره : وَالصّدّيقِـينَ والشُّهَدَاءِ . وقد قـيـل : إنّ أبـا بكر الصدّيق رضي الله عنه إنـما قـيـل له الصدّيق لصدقه ، وقد قـيـل : إنـما سمي صدّيقاً لتصديقه النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي مسيره فـي لـيـلة واحدة إلـى بـيت الـمقدس من مكة وعوده إلـيها . وقوله : { كانَا يَأكُلانِ الطَّعامَ } خبر من الله تعالـى ذكره عن الـمسيح وأمه أنهما كانا أهل حاجة إلـى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من الـمطاعم والـمشارب كسائر البشر من بنـي آدم . فإنّ من كان كذلك ، فغير كائن إلهاً لأن الـمـحتاج إلـى الغذاء قوامه بغيره ، وفـي قوامه بغيره وحاجته إلـى ما يقـيـمه دلـيـل واضح علـى عجزه ، والعاجز لا يكون إلاَّ مربوبـاً لا ربًّـا . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { انْظُرْ كَيْفَ نُبَـيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أنَّى يُؤْفَكُونَ } . يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : انظر يا مـحمد كيف نبـين لهؤلاء الكفرة من الـيهود والنصارى الآيات ، وهي الأدلة والأعلام والـحجج علـى بطول ما يقولون فـي أنبـياء الله ، وفـي فريتهم علـى الله ، وادّعائهم له ولداً ، وشهادتهم لبعض خـلقه بأنه لهم ربّ وإله ، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وبـاطل قـيـلهم ، ولا ينزجرون عن فِرْيتهم علـى ربهم وعظيـم جهلهم ، مع ورود الـحجج القاطعة عذرهم علـيهم . يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : ثم انظر يا مـحمد أنَّى يؤفكون ؟ يقول : ثم انظر مع تبـيـيننا لهم آياتنا علـى بطول قولهم : أيّ وجه يُصْرفون عن بـياننا الذي بـينته لهم ، وكيف عن الهدى الذي نهديهم إلـيه من الـحقّ يضِلون ؟ والعرب تقول لكلّ مصروف عن شيء : هو مأفوك عنه ، يقال : قد أَفَكْتُ فلاناً عن كذا : أي صرفته عنه ، فأنا آفِكه أفْكاً ، وهو مأفوك ، وقد أُفِكَتِ الأرضُ : إذا صرف عنها الـمطر .