Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 97-97)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : صير الله الكعبة البـيت الـحرام قواماً للناس الذين لا قوام لهم ، من رئيس يحجز قويهم عن ضعيفهم ومسيئهم عن مـحسنهم وظالـمهم عن مظلومهم { والشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقلائِدَ } فحجز بكلّ واحد من ذلك بعضهم عن بعض ، إذ لـم يكن لهم قـيام غيره ، وجعلها معالـم لدينهم ومصالـح أمورهم . والكعبة سميت فـيـما قـيـل كعبة لتربـيعها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد قال : إنـما سميت الكعبة لأنها مربعة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا هاشم بن القاسم ، عن أبـي سعيد الـمؤدّب ، عن النضر بن عربـي ، عن عكرمة ، قال : إنـما سميت الكعبة لتربـيعها . وقـيـل { قِـياماً للنَّاسِ } بـالـياء ، وهو من ذوات الواو ، لكسرة القاف وهي فـاء الفعل ، فجعلت العين منه بـالكسرة ياء ، كما قـيـل فـي مصدر : « قمت » قـياماً ، و « صمت » صياماً ، فحوّلت العين من الفعل وهي واء ياء لكسرة فـائه ، وإنـما هو فـي الأصل : قمت قواماً ، وصمت صواماً . وكذلك قوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ } فحوّلت واوها ياء ، إذ هي « قوام » . وقد جاء ذلك من كلامهم مقولاً علـى أصله الذي هو أصله ، قال الراجز : @ قِوَامُ دُنْـيا وَقِوَامُ دِين @@ فجاء به بـالواو علـى أصله . وجعل تعالـى ذكره الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قواماً لـمن كان يحترم ذلك من العرب ويعظمه ، بـمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تبـاعه . وأما الكعبة فـالـحرم كله ، وسماها الله تعالـى حراماً لتـحريـمه إياها أن يصاد صيدها أو يختلـى خلاها أو يعضد شجرها . وقد بـينا ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل . وقوله : { وَالشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ } يقول تعالـى ذكره : وجعل الشهر الـحرام والهدي والقلائد أيضاً قـياماً للناس ، كما جعل الكعبة البـيت الـحرام لهم قـياماً . والناس الذين جعل ذلك لهم قـياماً مختلف فـيهم ، فقال بعضهم : جعل الله ذلك فـي الـجاهلـية قـياماً للناس كلهم . وقال بعضهم : بل عَنَى به العربَ خاصة . وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل القوام قال أهل التأويـل . ذكر من قال : عنى الله تعالـى بقوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ } القوام علـى نـحو ما قلنا : حدثنا هناد ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، قال : أخبرنا من سمع خَصيفـاً يحدّث عن مـجاهد فـي : { جعلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرَامَ قِـيَاماً لِلنَّاسِ } قال : قواماً للناس . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبـيد الله ، عن إسرائيـل ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبـير : { قِـياماً للنَّاسِ } قال : صلاحاً لدينهم . حدثنا هناد ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، قال : أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد فـي : { جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرامَ قـيَاماً للنَّاسِ } قال : حين لا يرجون جنة ولا يخافون ناراً ، فشدّد الله ذلك بـالإسلام . حدثنا هناد ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، عن إسرائيـل ، عن أبـي الهيثم ، عن سعيد بن جبـير ، قوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ } قال : شدّة لدينهم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن إسرائيـل ، عن أبـي الهيثم ، عن سعيد بن جبـير ، مثله . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ } قال : قـيامها أن يأمن من توجه إلـيها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ والشَّهْرَ الـحَرَامَ وَالهَدْيَ وَالقَلائِدَ } يعنـي قـياماً لدينهم ، ومعالـم لـحجهم . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ والشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ } جعل الله هذه الأربعة قـياماً للناس ، هو قوام أمرهم . وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائلها ألفـاظها ، فإن معانـيها آيـلة إلـى ما قلنا فـي ذلك من أن القوام للشيء هو الذي به صلاحه ، كالـملك الأعظم قوام رعيته ومن فـي سلطانه ، لأنه مدبر أمرهم وحاجز ظالـمهم عن مظلومهم والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم . وكذلك كانت الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم فـي الـجاهلـية ، وهي فـي الإسلام لأهله معالـم حجهم ومناسكهم ومتوجههم لصلاتهم وقبلتهم التـي بـاستقبـالها يتـمّ فرضهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قالت جماعة أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا جامع بن حماد ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ والشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائدَ } حواجز أبقاها الله بـين الناس فـي الـجاهلـية فكان الرجل لو جرّ كلّ جريرة ثم لـجأ إلـى الـحرم لـم يُتناول ولـم يُقرب . وكان الرجل لو لقـي قاتل أبـيه فـي الشهر الـحرام لـم يعرض له ولـم يقربه . وكان الرجل إذا أراد البـيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس ، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من لـحاء السَّمُر ، فمنعته من الناس حتـى يأتـي أهله حواجز أبقاها الله بـين الناس فـي الـجاهلـية . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياماً للنَّاسِ والشَّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ } قال : كان الناس كلهم فـيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض . قال : ولـم يكن فـي العرب ملوك تدفع بعضهم عن بعض ، فجعل الله تعالـى لهم البـيت الـحرام قـياماً يدفع بعضهم عن بعض به ، والشهر الـحرام كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بـالأشهر الـحرم والقلائد . قال : ويـلقـى الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه فلا يعرض له . وهذا كله قد نسخ . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { وَالقَلائِدَ } كان ناس يتقلدون لـحاء الشجر فـي الـجاهلـية إذا أرادوا الـحجّ ، فـيعرفون بذلك . وقد أتـينا علـى البـيان عن ذكر الشهر الـحرام والهدي والقلائد فـيـما مضى ، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ذَلِكَ لِتَعْلَـمُوا أنَّ اللّهَ يَعْلَـمُ ما فِـي السَّمَوَاتِ وَما فِـي الأرْضِ وأنَّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ } . يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { ذَلكَ } تصيـيره الكعبة البـيت الـحرام قـياماً للناس والشهر الـحرام والهدي والقلائد . يقول تعالـى ذكره : صَيَّرت لكم أيها الناس ذلك قـياماً كي تعلـموا أن من أُحدِث لكم لـمصالـح دنـياكم ما أحدث مـما به قوامكم ، علـماً منه بـمنافعكم ومضارّكم أنه كذلك يعلـم جميع ما فـي السموات وما فـي الأرض مـما فـيه صلاح عاجلكم وآجلكم ، ولتعلـموا أنه بكلّ شيء علـيـم ، لا يخفـى علـيه شيء من أموركم وأعمالكم ، وهو مـحصيها علـيكم حتـى يجازي الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء منكم بإساءته .