Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 6-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره بقوله : { فَتَولَّ عَنْهُمْ } : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين من قومك ، الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سِحْر مستمرّ ، فإنهم يوم يدعو داعي الله إلى موقف القيامة ، وذلك هو الشيء النُّكُر { خُشَّعاً أبْصَارُهُمْ } يقول : ذليلة أبصارُهم خاشعة ، لا ضرر بها { يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ } وهي جمع جَدَث ، وهي القبور ، وإنما وصف جلّ ثناؤه بالخشوع الأبصار دون سائر أجسامهم ، والمراد به جميع أجسامهم ، لأن أثر ذلة كل ذليل ، وعزّة كل عزيز ، تتبين في ناظريه دون سائر جسده ، فلذلك خصّ الأبصار بوصفها بالخشوع . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { خُشَّعاً أبْصَارُهُمْ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : « خاشِعاً أبْصَارَهُمْ » : أي ذليلة أبصارهم . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : « خاشِعاً أبْصَارُهُمْ » فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض المكيين الكوفيين { خُشَّعاً } بضم الخاء وتشديد الشين ، بمعنى خاشع وقرأه عامة قرّاء الكوفة وبعض البصريين « خاشِعا أبْصَارُهُمْ » بالألف على التوحيد اعتباراً بقراءة عبد الله ، وذلك أن ذلك في قراءة عبد الله « خاشِعَةً أبْصَارُهُمْ » ، وألحقوه وهو بلفظ الاسم في التوحيد ، إذ كان صفة بحكم فَعَلَ ويَفْعَل في التوحيد إذا تقدّم الأسماء ، كما قال الشاعر : @ وشَبابٍ حَسَنٍ أوْجُهُهُمْ مِنْ إيادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَد @@ فوحَّد حَسَناً وهو صفة للأوجه ، وهي جمع وكما قال الآخر : @ يَرْمَي الفِجاجَ بِها الرُّكْبانَ مَعْتِرضاً أعْناقَ بُزَّلِها مُرْخَى لهَا الجُدُلُ @@ فوحد معترضاً ، وهي من صفة الأعناق ، والجمع والتأنيث فيه جائزان على ما بيَّنا . وقوله : { كأنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } يقول تعالى ذكره : يخرجون من قبورهم كأنهم في انتشارهم وسعيهم إلى موقف الحساب جراد منتشر . وقوله : { مُهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ } يقول : مسرعين بنظرهم قِبَلَ داعيهم إلى ذلك الموقف . وقد بيَّنا معنى الإهطاع بشواهده المغنية عن الإعادة ، ونذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى من الرواية . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عثمان بن يسار ، عن تميم بن حَذْلم قوله : { مُهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ } قال : هو التحميج . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سفيان ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى { مُهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ } قال : التحميج . قال : ثنا مهران ، عن سفيان { مُهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ } قال : هكذا أبصارهم شاخصة إلى السماء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { مُهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ } : أي عامدين إلى الداع . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { مُهْطِعِينَ } يقول : ناظرين . وقوله : { يَقُولُ الكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } يقول تعالى ذكره : يقول الكافرون بالله يوم يدع الداعي إلى شيء نكُر : هذا يوم عسر . وإنما وصفوه بالعسر لشدة أهواله وبَلْباله .