Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وما لكم أيها الناس لا تنفقوا مما رزقكم الله في سبيل الله وإلى الله صائرٌ أموالكم إن لم تنفقوها في حياتكم في سبيل الله ، لأن له ميراث السموات والأرض ، وإنما حثهم جلّ ثناؤه بذلك على حظهم ، فقال لهم : أنفقوا أموالكم في سبيل الله ، ليكون ذلكم لكم ذخراً عند الله من قبل أن تموتوا ، فلا تقدروا على ذلك ، وتصير الأموال ميراثاً لمن له السموات والأرض . وقوله : { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقاتَلَ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكة وهاجر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَلَ } قال : آمن فأنفق ، يقول : من هاجر ليس كمن لم يهاجر . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ } يقول : من آمن . قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : يقول غير ذلك . وقال آخرون : عني بالفتح فتح مكة ، وبالنفقة : النفقة في جهاد المشركين . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَلَ أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ وَقاتَلُوا وكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى } قال : كان قتالان ، أحدهما أفضل من الآخر ، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح « فتح مكة » أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ } قال : فتح مكة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، قال : قال زيد بن أسلم في هذه الآية { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتحِ } قال : فتح مكة . وقال آخرون : عني بالفتح في هذا الموضع : صلح الحديبية . ذكر من قال ذلك : حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، قال : فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية ، يقول تعالى ذكره : { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقاتَلَ … } الآية . حدثني حُمَيد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، في هذه الآية ، قوله : { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ منْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَل } قال : فتح الحديبية ، قال : فصل ما بين العمرتين فتح الحديبية . حدثني ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، قال : فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية . وأُنزلت { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلَ الفَتْحِ … } إلى { وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فقالوا : يا رسول الله فتحٌ هو ؟ قال : " نَعَمْ عَظِيمٌ " حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، قال : فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية ، ثم تلا هنا الآية { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ … } الآية . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية : " يُوشِكُ أنْ يأتِي قَوْمٌ تَحَقِرُونَ أعمالَكُمْ مَعَ أعمالِهِمْ " قلنا : من هم يا رسول الله ، أقريش هم ؟ قال : " لا ، وَلَكَنْ أهْلُ اليَمَنِ أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوباً " فقلنا : هم خير منا يا رسول الله ، فقال : " لَوْ كانَ لأَحَدَهِمْ جَبَلٌ مِنْ ذَهَب فأنْفَقَهُ ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِكُمْ وَلا نَصِيفَهُ ، ألا إنَّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنا وَبَينَ النَّاسِ ، { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ … } الآية ، إلى قوله : { وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } " . حدثني ابن البَرْقيّ ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبي سعيد التمار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يُوشِكُ أنْ يأَتِي قَوْمٌ تَحَقِرُونَ أعمالَكُمْ مع أعمالَهُمْ " فقلنا : من هم يا رسولَ الله ، أقريش ؟ قال : " لا ، هُمْ أرَقُّ أفْئَدَةً وألْيَنُ قُلُوباً " وأشار بيده إلى اليمن ، فقال : " هُمْ أهْلُ اليَمَنِ ، ألا إنَّ الإيمانَ يمانِ ، والْحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ " فقلنا : يا رسول الله هم خير منا ؟ قال : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده لَوْ كان لأحَدِهِمْ جَبَلُ ذَهَب يُنْفِقَهُ ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِكُمْ وَلا نَصِيفَهُ " ثم جمع أصابعه ، ومدّ خنصره وقال : " إلا إنَّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنا وَبَيَنَ النَّاسِ " { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَل أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى } . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : معنى ذلك لا يستوي منكم أيها الناس من أنفق في سبيل الله من قبل فتح الحُدَيبية للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي رويناه عن أبي سعيد الخُدريّ عنه ، وقاتل المشركين بمن أنفق بعد ذلك ، وقاتل وترك ذكر من أنفق بعد ذلك ، وقاتل استغناء بدلالة الكلام الذي ذُكر عليه من ذكره { أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا } يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية ، وقاتلوا المشركين أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك ، وقاتلوا . وقوله : { وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى } يقول تعالى ذكره : وكلّ هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا ، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله ، وقتالهم أعداءه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا وآمَنُوا وكُلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى } قال : الجنة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى } قال : الجنة . وقوله : { وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } يقول تعالى ذكره : والله بما تعملون من النفقة في سبيل الله ، وقتال أعدائه ، وغير ذلك من أعمالكم التي تعملون ، خبير لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيكم على جميع ذلك يوم القيامة .