Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 109-109)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : حلف بالله هؤلاء العادلون بالله جهد حلفهم ، وذلك أوكد ما قدوا عليه من الأيمان وأصعبها وأشدّها : { لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ } يقول : قالوا : نقسم بالله لئن جاءتنا آية تصدّق ما تقول يا محمد مثل الذي جاء من قبلنا من الأمم . { لَيُؤْمِنُنَّ بِها } يقول : قالوا : لنصدقنّ بمجيئها بك ، وأنك لله رسول مرسل ، وأن ما جئتنا به حقّ من عند الله . وقيل : « ليؤمننّ بها » ، فأخرج الخبر عن الآية والمعنى لمجيء الآية . يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ } وهو القادر على إتيانكم بها دون كلّ أحد من خلقه . { وَما يُشْعِرُكُمْ } يقول وما يدريكم { أنَّها إذَا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ } . وذكر أن الذين سألوه الآية من قومه هم الذين آيس الله نبيه من إيمانهم من مشركي قومه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها } إلى قوله : { يَجْهَلُون } سألت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية ، واستحلفهم ليؤمننّ بها . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح : { لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها } ثم ذكر مثله . حدثنا هناد ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : كلم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ، فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى ، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة ؟ فأتنا بشيء من الآيات حتى نصدّقك فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أيُّ شَيْءٍ تُحِبونَ أنْ آتِيَكُمْ بِهِ ؟ " قالوا : تجعل لنا الصفا ذهباً ، فقال لهم : " فإنْ فَعَلْتُ تُصَدّقُونِي ؟ " قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعك أجمعون فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ، فجاءه جبريل عليه السلام ، فقال : لك ما شئت إن شئت أصبح ذهباً ، ولئن أرسل آية فلم يصدّقوا عند ذلك لنعذّبنهم ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم . فقال : « بَلْ يَتُوبَ تائِبُهُمْ » . فأنزل الله تعالى : { وأقْسَمُوا بالله } … إلى قوله : { يَجْهَلُونَ } القول في تأويل قوله تعالى : { وَما يُشْعِرُكُمْ أنَّها إذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ } . اختلف أهل التأويل في المخاطبين بقوله : { وَما يُشْعِرُكُمْ أنَّها إذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ } فقال بعضهم : خوطب بقوله : { وَما يُشْعِرُكُمْ } المشركون المقسمون بالله لئن جاءتهم آية ليؤمننّ ، وانتهى الخبر عند قوله : { وَما يُشْعِرُكُمْ } ثم استؤنف الحكم عليهم بأنهم لا يؤمنون عند مجيئها استئنافاً مبتدأ . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَما يُشْعِرُكُمْ } قال : ما يدريكم . قال : ثم أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَما يُشْعِرُكُمْ وما يدريكم } أنَّها إذَا جاءَتْ ؟ قال : أوجب عليهم أنها إذا جاءت { لا يُؤْمِنُونَ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : سمعت عبد الله بن زيد يقول : إنما الآيات عند الله ، ثم تستأنف فيقول : { أنَّها إذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { إنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ } : وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم استقبل يخبر عنهم فقال : { إذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ } . وعلى هذا التأويل قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف : « إنَّها » على أن قوله : « أنَّها إذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ » خبر مبتدأ منقطع عن الأوّل ، وممن قرأ ذلك كذلك بعض قرّاء المكيين والبصريين . وقال آخرون منهم : بل ذلك خطاب من الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قالوا : وذلك أن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بآية ، المؤمنون به . قالوا : وإنما كان سبب مسألتهم إياه ذلك أن المشركين حلفوا أن الآية إذا جاءت آمنوا ، واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : سل يا رسول الله ربك ذلك فسأل ، فأنزل الله فيهم وفي مسألتهم إياه ذلك ، قل للمؤمنين بك يا محمد : إنما الآيات عند الله ، وما يشعركم أيها المؤمنون بأن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين بالله أنهم لا يؤمنون به ففتحوا الألف من « أن » . وممن قرأ ذلك كذلك عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة ، وقالوا : أدخلت « لا » في قوله : { لا يُؤْمِنُونَ } صلة ، كما أدخلت في قوله : { ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسْجُدَ } وفي قوله : { وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } وإنما المعنى : وحرام عليهم أن يرجعوا ، وما منعك أن تسجد . وقد تأوّل قوم قرءوا ذلك بفتح الألف من : { أنَّها } بمعنى : لعلها ، وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبَيِّ بن كعب . وقد ذُكر عن العرب سماعاً منها : اذهب إلى السوق أنك تشتري لي شيئاً ، بمعنى : لعلك تشتري وقد قيل : إن قول عديّ بن زيد العبادي : @ أعاذِلَ ما يُدْرِيك أنَّ مَنِيَّتِي إلى ساعَةٍ فِي اليَومِ أوْ فِي ضُحَى الغَدِ @@ بمعنى : لعلّ منيتي وقد أنشدوني بيت دُرَيد بن الصَّمة : @ ذَرِيني أُطَوّفْ فِي البِلادِ لأنَّنِي أرَى ما تَرَيْنَ أوْ بَخِيلاً مُخَلَّدَا @@ بمعنى : لعلني . والذي أنشدني أصحابنا عن الفراء : « لعلني أرى ما ترين » . وقد أنشد أيضاً بيت توبة بن الحُمَيِّرِ : @ لَعَلكَ يا تَيْساً نَزَا فِي مَرِيرَةِ مُعَذِّبَ لَيْلَى أنْ تَرَانِي أزُورُها @@ « لَهّنَك يا تيساً » ، بمعنى : لأنك التي في معنى لعلك وأنشد بيت أبي النجم العجلي : @ قُلْتُ لشيْبانَ ادْنُ مِنْ لِقائِهِ إنا نُغَدّي القَوْمَ مِنْ شوائِه @@ يعني : لعلنا نغدي القوم . وأولى التأويلات في ذلك بتأويل الآية ، قول من قال : ذلك خطاب من الله للمؤمنين به من أصحاب رسوله ، أعنى قوله : { وَما يُشْعِرُكُمْ أنَّها إذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ } ، وأن قوله « أنها » بمعنى : « لعلها » . وإنما كان ذلك أولى تأويلاته بالصواب لاستفاضة القراءة في قرّاء الأمصار بالياء من قوله : { لا يُؤْمِنُونَ } ولو كان قوله : { وَما يُشْعِرُكُمْ } خطاباً للمشركين ، لكانت القراءة في قوله : { لا يُؤْمِنُونَ } بالتاء ، وذلك وإن كان قد قرأه بعض قراء المكيين كذلك ، فقراءة خارجة عما عليه قرّاء الأمصار ، وكفى بخلاف جميعهم لها دليلاً على ذهابها وشذوذها . وإنما معنى الكلام : وما يدريكم أيها المؤمنون لعلّ الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون فيعاجَلوا بالنقمة والعذاب عند ذلك ولا يؤخَّروا به .