Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 125-125)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ } للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه فيوفقه له ، { يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } يقول : فسح صدره لذلك وهوّنه عليه وسهله له بلطفه ومعونته ، حتى يستنير الإسلام في قلبه ، فيضيء له ويتسع له صدره بالقبول . كالذي جاء الأثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي : حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدّث ، عن عبد الله بن مرّة ، عن أبي جعفر ، قال : لما نزلت هذه الآية : { فَمَنْ يُرِدَ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } قالوا : كيف يشرح الصدر ؟ قال : « إذا نَزَلَ النُّورُ في القَلْبِ انْشَرَحَ له الصَّدْرُ وانْفَسَحَ » . قالوا : فهل لذلك آية يعرف بها ؟ قال : « نَعَمْ ، الإنَابَةُ إلى دَار الخُلُودِ ، والتَّجَافي عن دَارِ الغُرُورِ ، والاسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ الفَوْتِ » . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي جعفر ، قال : سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم : أيّ المؤمنين أكيس ؟ قال : " أكْثَرُهُمْ للْمَوْت ذكْراً ، وأحْسَنُهُمْ لمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَاداً " قال : وسئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : { فَمُنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } قالوا : كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال : " نُورٌ يُقْذَفُ فِيهِ فَيَنْشَرِحُ لَهُ ويَنْفَسِحُ " قالوا : فهل لذلك من أمارة يُعرف بها ؟ قال : " الإنابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ ، والتَّجافِي عَنْ دَار الغُرور ، وَالاسْتِعْدادُ للْمَوْت قَبْلَ المَوْت " . حدثنا هناد ، قال : ثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عمرو بن مرّة ، عن رجل يكنى أبا جعفر كان يسكن المدائن ، قال : سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } قال : " نُورٌ يُقْذَفُ فِي القَلْبِ فَيَنْشَرِحُ ويَنْفَسِحُ " . قالوا : يا رسول الله ، هل له من أمارة يُعرف بها ؟ ثم ذكر باقي الحديث مثله . حدثني محمد بن العلاء ، قال : ثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني ، قال : قال : ثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } ؟ قال : " إذَا دَخَلَ النُّورُ القَلْبَ انْفَسَحَ وانْشَرَح " قالوا : فهل لذلك من أمارة يُعرف بها ؟ قال : " الإنابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ ، والتَّنَحِّي عَنْ دَارِ الغُرُورِ ، والاِسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ المَوْتِ " . حدثني سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن خالد بن أبي كريمة ، عن عبد الله بن المسور ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا دَخَلَ النورُ القَلْبَ انْفَسَحَ وانْشَرَحَ " . قالوا : يا رسول الله ، وهل لذلك من علامة تُعرف ؟ قال : " نَعَمْ ، الإنابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ ، والتَّجافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ ، وَالاِسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ " . حدثني ابن سنان القزاز ، قال : ثنا محبوب بن الحسن الهاشمي ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } قالوا : يا رسول الله ، وكيف يشرح صدره ؟ قال : " يُدْخَلُ فيهِ النُّورُ فَيَنْفَسِحُ " . قالوا : وهل لذلك من علامة يا رسول الله ؟ قال : " التَّجافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ ، والإنابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ ، وَالاِسْتِعْدَادَ للمَوْتِ قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ المَوْتُ " . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } أما يشرح صدره للإسلام : فيوسع صدره للإسلام . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { فَمَنْ يَرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } بـ « لا إلَهَ إلاَّ اللّهُ » . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة : { فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ } بـ « لا إلَهَ إلاَّ اللّهُ » يَجْعَلْ لَهَا فِي صَدْرِهِ مُتَّسَعاً . القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } . يقول تعالى ذكره : ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى لشغله بكفره وصدّه عن سبيله ، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه حرجاً . والحرج : أشدّ الضيق ، وهو الذي لا ينفذ من شدّة ضيقه ، وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لرَيْنِ الشرك عليه . وأصله من الحرج ، والحَرَجُ جمع حَرَجة : وهي الشجرة الملتفّ بها الأشجار ، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدّة التفافها بها . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا عبد الله بن عمار رجل من أهل اليمن ، عن أبي الصلت الثقفي : أنَّ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه قرأ هذه الآية : { وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } بنصب الراء . قال : وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم « ضَيِّقاً حَرِجاً » . قال صفوان : فقال عمر : ابغوني رجلاً من كنانة واجعلوه راعياً ، وليكن مدلجيًّا قال : فأتوه به ، فقال له عمر : يا فتى ما الحَرَجة ؟ قل : الحرجة فينا : الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء . قال : فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } يقول : من أراد الله أن يضله يضيق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيقاً والإسلام واسع ، وذلك حين يقول : { وَما جَعَلَ عَلَيْكُم فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : شاكًّا . ذكر من قال ذلك : حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا حميد ، عن مجاهد : { ضَيِّقاً حَرَجاً } قال : شاكًّا . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { ضَيِّقاً حَرَجاً } أما حرجاً : فشاكًّا . وقال آخرون : معناه : ملتبساً . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيقاً حَرَجاً } قال : ضيقاً : ملتبساً . حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن الحسن ، عن قتادة أنه كان يقرأ : { ضَيقاً حَرَجاً } يقول : ملتبساً . وقال آخرون : معناه أنه من شدّة الضيق لا يصل إليه الإيمان . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير : { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيقاً حَرَجاً } قال : لا يجد مسلكاً إلا صُعُداً . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني : { ضَيقاً حَرَجاً } قال : ليس للخير فيه منفذ . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، قوله : { وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيقاً حَرَجاً } بلا إله إلا الله لا يجد لها في صدره مساغاً . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة ، في قوله : { وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيقاً } بلا إله إلا الله ، حتى لا يستطيع أن تدخله . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : { ضَيقاً حَرَجاً } بفتح الحاء والراء من { حَرَجاً } ، وهي قراءة عامة المكيين والعراقيين ، بمعنى : حَرَجة على ما وصفت . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة : « ضَيقاً حَرِجاً » بفتح الحاء وكسر الراء . ثم اختلف الذين قرءوا ذلك في معناه ، فقال بعضهم : هو بمعنى الحَرَج ، وقالوا : الحَرَج بفتح الحاء والراء ، والحَرِج بفتح الحاء وكسر الراء بمعَنى واحد ، وهما لغتان مشهورتان ، مثل الدَّنَف والدَّنِف ، والوَحَد والوَحِد ، والفَرَد والفَرِد . وقال آخرون منهم : بل هو بمعنى الإثم من قولهم : فلان آثمٌ حَرِجٌ . وذكر عن العرب سماعاً منها : حَرِجٌ عليك ظلمي ، بمعنى : ضِيقٌ وإثم . والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد ، وبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب لاتفاق معنييهما ، وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في الوحَد والفَرَد بفتح الحاء من الوَحَد والراء من الفَرَد وكسرهما بمعنى واحد . وأما الضِّيِّق ، فإن عامة القرّاء على فتح ضاده وتشديد يائه ، خلا بعض المكيين فإنه قرأه : « ضَيْقاً » بفتح الضاد وتسكين الياء وتخفيفه . وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان : أحدهما أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد ، كما قيل : هَيْن لَين ، بمعنى : هَيِّن لَيِّن . والآخر أن يكون سكنَّه بنية المصدر من قولهم : ضاق هذا الأمر يضيق ضَيْقاً ، كما قال رؤبة : @ وَقَدْ عَلِمْنا عندَ كُلّ مَأْزِقِ ضَيْقٍ بوَجْهِ الأمرِ أيّ مَضْيَقِ @@ ومنه قول الله : وَلا تَكُ فِي ضيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ . وقال رؤبة أيضاً : @ وشَفَّها اللَّوْحُ بِمأزُولٍ ضَيَقْ @@ بمعنى : ضيق . وحُكي عن الكسائي أنه كان يقول : الضيق بالكسر : في المعاش والموضع ، وفي الأمر الضيق . وفي هذه الآية أبين البيان لمن وفق لفهمها عن أن السبب الذي به توصل إلى الإيمان والطاعة غير السبب الذي به توصل إلى الكفر والمعصية ، وأن كلا السببين من عند الله وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن نفسه أنه يشرح صدر من أراد هدايته للإسلام ، ويجعل صدر من أراد إضلاله ضيقاً عن الإسلام حرجاً ، كأنما يصعد في السماء . ومعلوم أن شرح الصدر للإيمان خلاف تضييقه له ، وأنه لو كان توصل بتضييق الصدر عن الإيمان إليه لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرق ، ولكان من ضيق صدره عن الإيمان قد شرح صدره له ومن شرح صدره له فقد ضيق عنه ، إذ كان موصولاً بكلّ واحد منهما ، أعني من التضييق والشرح إلى ما يوصل به إلى الآخر . ولو كان ذلك كذلك ، وجب أن يكون الله قد كان شرح صدر أبي جهل للإيمان به وضيَّق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وهذا القول من أعظم الكفر بالله . وفي فساد ذلك أن يكون كذلك الدليل الواضح على أن السبب الذي به آمن المؤمنون بالله ورسله وأطاعه المطيعون ، غير السبب الذي كفر به الكافرون بالله وعصاه العاصون ، وأن كلا السببين من عند الله وبيده ، لأنه أخبر جلّ ثناؤه أنه هو الذي يشرح صدر هذا المؤمن به للإيمان إذا أراد هدايته ، ويضيق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد إضلاله . القول في تأويل قوله تعالى : { كأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ } . وهذا مثل من الله تعالى ذكره ضربه لقلب هذا الكافر في شدّة تضييقه إياه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه لأن ذلك ليس في وسعه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني : { كأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ } يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني ، مثله . وبه قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة : { يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً } بلا إله إلا الله ، حتى لا يستطيع أن تدخله ، { كأنما يصّعّد في السماء } من شدّة ذلك عليه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، مثله . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { كأنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاءِ } من ضيق صدره . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والعراق : { كأنَّمَا يَصَّعَّدُ } بمعنى : يتصعدُ ، فأدغموا التاء في الصاد ، فلذلك شدّدوا الصاد . وقرأ ذلك بعض الكوفيين : « يَصَّاعَدُ » بمعنى : يتصاعد ، فأدغم التاء في الصاد وجعلها صاداً مشدّدة . وقرأ ذلك بعض قراء المكيين : « كأنَّمَا يَصْعَد » من صَعِدَ يَصْعَد . وكل هذه القراءات متقاربات المعاني وبأيها قرأ القارىء فهو مصيب ، غير أني أختار القراءة في ذلك بقراءة من قرأه : { كأنَّمَا يَصَّعَّدُ } بتشديد الصاد بغير ألف ، بمعنى : يتصعد ، لكثرة القراء بها ، ولقِيلِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « ما تصعَّدني شيء ما تصعَّدني خُطْبَة النكاح » . القول في تأويل قوله تعالى : { كَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرّجْسَ على الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } . يقول تعالى ذكره : كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقاً حَرَجاً ، كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الإيمان ، فيجزيه بذلك ، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصدّه عن سبيل الحقّ . وقد اختلف أهل التأويل في معنى الرجس ، فقال بعضهم : هو كلّ ما لا خير فيه . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمر ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الرجس : ما لا خير فيه . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَجْعَل اللّهُ الرِّجْسَ على الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } قال : ما لا خير فيه . وقال آخرون : الرجس : العذاب . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { كَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرّجْسَ على الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } قال : الرجس : عذاب الله . وقال آخرون : الرجس : الشيطان . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { الرِّجْسَ } قال : الشيطان . وكان بعض أهل المعرفة بلغات العرب من الكوفين يقول : الرِّجْس والنَّجْس لغتان . ويحكى عن العرب أنها تقول : ما كان رِجْساً ، ولقد رَجُسَ رجاسة ، ونَجُس نَجَاسة . وكان بعض نحويي البصريين يقول : الرِّجْس والرِّجْز سوَاء ، وهما العذاب . والصواب في ذلك من القول عندي ما قاله ابن عباس ، ومن قال : إن الرجس والنجس واحد ، للخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء : " اللَّهُمَّ إنّي أعُوذ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجْسِ الخَبِيثِ المُخْبِثِ الشَّيْطانِ الرَّجِيم " حدثني بذلك عبد الرحمن بن البختريّ الطائي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن وقتادة ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقد بَيَّن هذا الخبر أن الرجس هو النجس القذر الذي لا خير فيه ، وأنه من صفة الشيطان .