Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 133-133)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول جلّ ثناؤه : وربك يا محمد الذي أمر عباده بما أمرهم به ونهاهم عما نهاهم عنه وأثابهم على الطاعة وعاقبهم على المعصية ، الغنّي عن عباده ، الذين أمرهم بما أمر ونهاهم عما نهى ، وعن أعمالهم وعبادتهم إياه ، وهم المحتاجون إليه ، لأنه بيده حياتهم ومماتهم وأرزاقهم وأقواتهم ونفعهم وضرّهم ، يقول عز ذكره : فلم أخلقهم يا محمد ولم آمرهم بما أمرتهم به وأنههم عما نهيتهم عنه ، لحاجة لي إليهم ولا إلى أعمالهم ، ولكن لأتفضّل عليهم برحمتي وأثيبهم على إحسانهم إن أحسنوا ، فإني ذو الرأفة والرحمة . وأما قوله : { إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ } فإنه يقول : إن يشأ ربك يا محمد الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه { يُذْهِبْكُمْ } يقول : يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم { وَيْسَتخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشَاءُ } يقول : ويأت بخلق غيركم ، وأمم سواكم يخلفونكم في الأرض من بعدكم ، يعني : من بعد فنائكم وهلاككم . { كمَا أنْشَأكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلقٍ آخرين كانوا قبلكم . ومعنى « مِنْ » في هذا الموضع : التعقيب ، كما يقال في الكلام أعطيتك من دينارك ثوباً ، بمعنى : مكان الدينار ثوباً ، لا أن الثوب من الدينار بعض ، كذلك الذين خوطبوا بقوله : { كمَا أنْشأَكُمْ } لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين ، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خَلْفَ قوم آخرين قد هلكوا قبلهم . والذرية الفُعيلة من قول القائل : ذرأ الله الخلق ، بمعنى خلقهم فهو يذرؤهم ، ثم ترك الهمزة فقيل : ذرا الله ، ثم أخرج الفُعيلة بغير همز على مثال العُلِّية . وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ : « مِنْ ذَرِيئَةِ قَوْمِ آخَرِينَ » على مثال فَعِيلَة . وعن آخر أنه كان يقرأ : « وَمِنْ ذُرْيَةِ » على مثال عُلْيَة . والقراءة التي عليها القرّاء في الأمصار : { ذُرّيَّة } بضمّ الذال وتشديد الياء على مثال عُلِّية . وقد بيَّنا اشتقاق ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ههنا . وأصل الإنشاء : الإحداث ، يقال : قد أنشأ فلان يحدّث القوم ، بمعنى : ابتدأ وأخذ فيه .