Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 137-137)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وكما زيَّن شركاء هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام لهم ما زينَّوا لهم ، من تصييرهم لربهم من أموالهم قسماً بزعمهم ، وتركهم ما وصل من القسم الذي جعلوه لله إلى قسم شركائهم في قسمهم ، وردّهم ما وصل من القسم الذي جعلوه لشركائهم إلى قسم نصيب الله إلى قسم شركائهم ، { كَذَلِكَ زَيَّنَ لكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ } من الشياطين ، فحسنوا لهم وأد البنات ، { لِيُرْدُوهُمْ } يقول : ليهلكوهم ، { وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } فعلوا ذلك بهم ليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس ، فيضلوا ويهلكوا بفعلهم ما حرّم عليهم الله . ولو شاء الله أن لا يفعلوا ما كانوا يفعلون من قتلهم لم يفعلوه ، بأن كان يهديهم للحقّ ويوفِّقهم للسداد ، فكانوا لا يقتلونهم ، ولكن الله خذلهم عن الرشاد فقتلوا أولادهم وأطاعوا الشياطين التي أغوتهم . يقول الله لنبيه متوعداً لهم على عظيم فريتهم على ربهم فيما كانوا يقولون في الأنصباء التي يقسمونها هذا لله وهذا لشركائنا وفي قتلهم أولادهم : ذرهم يا محمد وما يفترون وما يتقوّلون عليّ من الكذب والزور ، فإني لهم بالمرصاد ، ومن وراء العذاب والعقاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وكذلكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ } : زينَّوا لهم ، من قتل أولادهم . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ } شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العَيْلة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وكذلكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ } … الآية ، قال : شركاؤهم زينوا لهم ذلك . { وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ } . حدثني يونس ، قال : أخبرنا وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وكذلكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ } قال : شياطينهم التي عبدوها ، زينوا لهم قتل أولادهم . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وكذلكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ ليُرْدُوهُمْ } أمرتهم الشياطين أن يقتلوا البنات . وأما { لِيُرْدُوهُمْ } : فيهلكوهم . وأما { لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } فيخلطوا عليهم دينهم . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء الحجاز والعراق : { وكَذَلِكَ زَيَّنَ } بفتح الزاي من « زَيَّن » { لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ } بنصب القتل ، { شُرَكاؤُهُمْ } بالرفع . بمعنى أن شركاء هؤلاء المشركين الذين زينوا لهم قتل أولادهم ، فيرفعون الشركاء بفعلهم ، وينصبون القتل لأنه مفعول به . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام : « وكذلكَ زُيِّنَ » بضم الزاي « لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ » بالرفع « أوْلادَهُمْ » بالنصب « شُرَكائِهِمْ » بالخفض ، بمعنى : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم . ففرقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم ، وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح . وقد رُوِى عن بعض أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيد قراءة من قرأ بما ذكرتُ من قراءة أهل الشام ، رأيت رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه ، وذلك قول قائلهم : @ فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنا زَجَّ القَلُوصَ أبي مَزَادَهْ @@ والقراءة التي لا أستجيز غيرها : { وكذلكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكيِنَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤهُمْ } بفتح الزاي من « زيَّن » ونصب « القتل » بوقوع « زيَّن » عليه وخفض « أولادهم » بإضافة « القتل » إليهم ، ورفع « الشركاء » بفعلهم لأنهم هم الذين زينوا للمشركين قتل أولادهم على ما ذكرت من التأويل . وإنما قلت : لا أستجيز القراءة بغيرها لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأن تأويل أهل التأويل بذلك ورد ، ففي ذلك أوضح البيان على فساد ما خالفها من القراءة . ولولا أن تأويل جميع أهل التأويل بذلك ورد ثم قرأ قارىء : « وكذلكَ زُيَّنَ لِكَثير مِنَ المُشْرِكينَ قَتْلُ أوْلادِهِمْ شُرَكائِهمْ » بضم الزاي من « زيَّن » ورفع « القتل » وخفض « الأولاد » « والشركاء » ، على أن « الشركاء » مخفوضون بالردّ على « الأولاد » بأن « الأولاد » شركاء آبائهم في النسب والميراث كان جائزاً . ولو قرأه كذلك قارىء ، غير أنه رفع « الشركاء » وخفض « الأولاد » كما يقال : ضُرِب عبد الله أخوك ، فيظهر الفاعل بعد أن جرى الخبر بما لم يسمّ فاعله ، كان ذلك صحيحاً في العربية جائزاً .