Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-148)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول جلّ ثناؤه : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أشْرَكُوا } وهم العادلون بالله الأوثان والأصنام من مشركي قريش : { لَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْرَكْنا } يقول : قالوا احتجازاً من الإذعان للحقّ بالباطل من الحجة لما تبين لهم الحقّ ، وعلموا باطل ما كانوا عليه مقيمين من شركهم ، وتحريمهم ما كانوا يحرّمون من الحروث والأنعام ، على ما قد بَيَّن تعالى ذكره في الآيات الماضية قبل ذلك : { وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمَّا ذَرأَ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيباً } وما بعد ذلك : لو أراد الله منا الإيمان به وإفراده بالعبادة دون الأوثان والآلهة وتحليل ما حرّم من البحائر والسوائب وغير ذلك من أموالنا ، ما جعلنا لله شريكاً ، ولا جعل ذلك له آباؤنا من قبلنا ، ولا حرّمنا ما نحرّمه من هذه الأشياء التي نحن على تحريمها مقيمون لأنه قادر على أن يحول بيننا وبين ذلك ، حتى لا يكون لنا إلى فعل شيء من ذلك سبيل ، إما بأن يضطّرنا إلى الإيمان وترك الشرك به وإلى القول بتحليل ما حرّمنا وإما بأن يلطف بنا بتوفيقه فنصير إلى الإقرار بوحدانيته وترك عبادة ما دونه من الأنداد والأصنام ، وإلى تحليل ما حرّمنا . ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأوثان والأصنام ، واتخاذ الشريك له في العبادة والأنداد ، وأراد ما نحرّم من الحروث والأنعام ، فلم يحل بيننا وبين ما نحن عليه من ذلك . قال الله مكذّباً لهم في قيلهم : إن الله رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرّم ، ورادّاً عليهم باطل ما احتجوا به من حجتهم في ذلك : { كذلكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يقول : كما كذّب هؤلاء المشركون يا محمد ما جئتهم به من الحقّ والبيان ، كذّب من قبلهم من فَسقة الأمم الذين طغَوا على ربهم ما جاءتهم به أنبياؤهم من آيات الله وواضح حججه ، وردّوا عليهم نصائحهم . { حتى ذَاقُوا بَأْسنا } يقول : حتى أسخطونا فغضبنا عليهم ، فأحللنا بهم بأسنا فذاقوه ، فعطبوا بذوقهم إياه ، فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة ، يقول : وهؤلاء الآخرون ، مسلوك بهم سبيلهم ، إن هم لم ينيبوا فيؤمنوا ويصدّقوا بما جئتهم به من عند ربهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { لَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْركْنا وَلا آباؤُنا } وقال : { كذلكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } ، ثم قال : { وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْركُوا } فإنهم قالوا : عبادتنا الآلهة تقرّبنا إلى الله زلفى . فأخبرهم الله أنها لا تقربهم ، وقوله : { وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْرَكُوا } يقول الله سبحانه : لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ } قال : قول قريش ، يعني : إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ } قول قريش بغير يقين : إن الله حرّم هذه البحيرة والسائبة . فإن قال قائل : وما برهانك على أن الله تعالى إنما كذّب من قيل هؤلاء المشركين قوله : رضى الله منا عبادة الأوثان ، وأراد منا تحريم ما حرّمنا من الحروث والأنعام ، دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم : { لَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ } وعلى وصفهم إياه بأنه قد شاء شركهم وشرك آبائهم ، وتحريمهم ما كانوا يحرّمون ؟ قيل : له الدلالة على ذلك ، قوله : { كذلكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } فأخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم فيما آتاهم به من عند الله من النهي عن عبادة شيء غير الله تعالى ، وتحريم غير ما حرّم الله في كتابه وعلى لسان رسوله مسلك أسلافهم من الأمم الخالية المكذّبة لله ورسولَه . والتكذيب منهم إنما كان لمكذَّب ، ولو كان ذلك خبراً من الله عن كذبهم في قيلهم : { لَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْرَكْنا وَلا آباؤُنا } لقال : « كذلكَ كَذَبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » بتخفيف الذال ، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله لا إلى التكذيب . مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب ، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه . القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وإنْ أنْتُمْ إلاَّ تَخْرُصُونَ } . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام المحرِّمين ما هم له محرّمون من الحروث والأنعام ، القائلين : { لَوْ شاءَ اللّهُ ما أشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلاَ حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ } ولكن رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرّم : هل عندكم بدعواكم ما تدّعون على الله من رضاه بإشراككم في عبادته ما تشركون وتحريمكم من أموالكم ما تحرّمون علم يقين من خبر من يقطع خبره العذر ، أو حجة توجب لنا اليقين من العلم فتخرجوه لنا ؟ يقول : فتظهروا ذلك لنا وتبينوه ، كما بينا لكم مواضع خطأ قولكم وفعلكم ، وتناقض ذلك واستحالته في المعقول والمسموع . { إنْ تَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ } يقول له : قل لهم : إن تقولون ما تقولون أيها المشركون وتعبدون من الأوثان والأصنام ما تعبدون وتحرّمون من الحروث والأنعام ما تحرّمون إلا ظنًّا وحسباناً أنه حقّ ، وأنكم على حق وهو باطل ، وأنتم على باطل . { وَإنْ أنْتُمْ إلاَّ تَخْرُصُونَ } يقول : وإن أنتم ، وما أنتم في ذلك كله إلا تخرُصون ، يقول : إلا تتقوّلون الباطل على الله ظنًّا بغير يقين علم ولا برهان واضح .