Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 160-160)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : من وافى ربه يوم القيامة في موقف الحساب من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً بالتوبة والإيمان والإقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته ، وذلك هو الحسنة التي ذكرها الله ، فقال : من جاء بها فله عشر أمثالها . ويعني بقوله : { فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } فله عشر حسنات أمثال حسنته التي جاء بها . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } يقول : ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الدين الحقّ والكفر بالله ، فلا يُجْزَى إلا ما ساءه من الجزاء ، كما وافى الله به من عمله السيء . { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } يقول : ولا يظلم الله الفريقين : لا فريق الإحسان ، ولا فريق الإساءة ، بأن يجازي المحسن بالإساءة والمسيء بالإحسان ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له ، لأنه جلّ ثناؤه حكيم لا يضع شيئاً إلا في موضعه الذي يستحقّ أن يضعه فيه ، ولا يجازي أحداً إلا بما يستحقّ من الجزاء . وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الظلم وضع الشيء في غير موضعه بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع . فإن قال قائل : فإن كان الأمر كما ذكرت من أن معنى الحسنة في هذا الموضع الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته والتصديق برسوله ، والسيئة فيه الشرك به والتكذيب لرسوله ، فللإيمان أمثال فيجازَى بها المؤمن ، وإن كان له مثل فكيف يجازَى به ، والإيمان إنما هو عندك قول وعمل ، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة ، والإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود ، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحس ويلتذّ بها ، لا قول يُسمع ولا كسب جوارح ؟ قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه ، وإنما معناه : من جاء بالحسنة فوافى الله بها له مطيعاً ، فإن له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها . فإن قلت : فهل لقول لا إله إلا الله من الحسنات مثل ؟ قيل : له مثل هو غيره ، وليس له مثل هو قول لا إله إلا الله ، وذلك هو الذي وعد الله جلّ ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله ، وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك ، إلا أن لا يجازي صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المُغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما نزلت : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أمثالِهَا } قال رجل من القوم فإن « لا إله إلا الله » حسنة ؟ قال : نعم ، أفضل الحسنات . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش والحسن بن عبيد الله ، عن جامع بن شدّاد ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله : { مَن جاءَ بالحَسَنةِ } لا إله إلا الله . حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا حفص ، قال : ثنا الأعمش والحسن بن عبيد الله ، عن جامع بن شدّاد ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله ، قال : { مَنْ جاءَ بالحَسَنةِ } قال : من جاء بلا إله إلا الله ، قال : { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الشرك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن جامع بن شدّاد ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا معاوية بن عمرو المعني عن زائدة ، عن عاصم ، عن شقيق : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله كلمة الإخلاص . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الشرك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، وعن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد والقاسم بن أبي بزّة : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قالوا : لا إله إلا الله كلمة الإخلاص . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قالوا : بالشرك وبالكفر . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير وابن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الشرك . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : ثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } قال : لا إله إلا الله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي المحجَّل ، عن إبراهيم : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الشرك . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي المحجل ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي المحجل ، عن إبراهيم ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن أبي المحجل ، عن أبي معشر ، قال : كان إبراهيم يحلف بالله ما يستثني ، أن { مَن جاءَ بالحَسَنَةِ } لا إله إلا الله ، { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } من جاء بالشرك . حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : كلمة الإخلاص : لا إله إلا الله . { وَمَن جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : بالشرك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، وحدثنا المثنى بن إبراهيم ، قال : ثنا أبو نعيم جميعاً ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الشرك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير ، عن عثمان بن الأسود ، عن القاسم بن أبي بزّة : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : كلمة الإخلاص . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الكفر . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن أشعث ، عن الحسن : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } قال : لا إله إلا الله . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ } يقول : من جاء بلا إله إلا الله . { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ } قال : الشرك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا ، وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزِى إلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " الأعْمالُ سِتَّةٌ : مُوجِبَةٌ وَمُوجِبَةٌ ، وَمُضَعِّفَةٌ وَمُضَعِّفَةٌ ، وَمِثْلٌ وَمِثْلٌ . فأمَّا المُوجِبَتانِ : فَمَنْ لَقِيَ اللّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ لَقَيَ اللّهَ مُشْرِكاً بِهِ دَخَلَ النَّارَ وأمَّا المُضَعِّفُ والمُضَعِّفُ : فَنَفَقَةُ المُؤمِنِ فِي سَبِيلِ اللّهِ سَبْع مِئَة ضِعْفٍ ، وَنَفَقَتُهُ على أهْلِ بَيْتِهِ عَشْرُ أمْثالِهَا . وأمَّا مِثْلٌ وَمِثْلٌ : فإذَا هَمَّ العَبْدُ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ، وَإذَا هَمَّ بِسَيِّئةٍ ثُمَّ عَمَلَها كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً " . حدثنا المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن شيخ من التيم ، عن أبي ذرّ ، قال : قلت : يا رسول الله علمني عملاً يقرّبني إلى الجنة ويباعدني من النار قال : " إذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فاعْمَلْ حَسَنَةً ، فإنَّها عَشْرُ أمْثالِهَا " . قال : قلت : يا رسول الله ، لا إله إلا الله من الحسنات ؟ قال " هيَ أحْسَنُ الحَسَناتِ " . وقال قوم : عُني بهذه الآية : الأعراب فأما المهاجرون ، فإن حسناتهم سبع مئة ضعف أو أكثر . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثنا أبي ، عن قتادة ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدريّ ، في قوله : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَة فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } قال : هذه للأعراب ، وللمهاجرين سبع مئة . حدثنا محمد بن نشيط بن هارون الحربيّ ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكر ، قال : ثنا فضيل بن مرزوق . عن عطية العوفي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : نزلت هذه الآية في الأعراب : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } قال : قال رجل : فما للمهاجرين ؟ قال : ما هو أعظم من ذلك : { إنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْراً عَظِيماً } وإذا قال الله لشيء عظيم ، فهو عظيم . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، قال : نزلت هذه الآية : { مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر ويؤدّون عشر أموالهم ، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك : صوم رمضان والزكاة . فإن قال قائل : وكيف قيل عشر أمثالها ، فأضيف العشر إلى الأمثال ، وهي الأمثال ، وهي يضاف الشيء إلى نفسه ؟ قيل : أضيفت إليها لأنه مراد بها : فله عشر حسنات أمثالها ، فالأمثال حلَّت محلّ المفسر ، وأضيف العشر إليها ، كما يقال : عندي عشر نسوة ، فلأنه أريد بالأمثال مقامها فقيل : عشر أمثالها ، فأخرج العشر مخرج عدد الآيات ، والمِثْل مذكر لا مؤنث ، ولكنها لما وضعت موضع الآيات ، وكان المثْل يقع للمذكر والمؤنث ، فجعلت خلفاً منها ، فُعِل بها ما ذكرتُ ومن قال : عندي عشر أمثالها ، لم يقل : عندي عشر صالحات ، لأن الصالحات فعل لا يعدّ ، وإنما تعدّ الأسماء والمِثل اسم ، ولذلك جاز العدد به . وقد ذكر عن الحسن البصريّ أنه كان يقرأ ذلك : « فَلَهُ عَشرٌ » بالتنوين « أمْثالُها » بالرفع ، وذلك على وجه صحيح في العربية ، غير أن القرّاء في الأمصار على خلافها ، فلا نستجيز خلافها ، فيما هي عليه مجتمعة .