Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره بقوله { الحَمْدُ للَّهِ } : الحمد الكامل لله وحده لا شريك له ، دون جميع الأنداد والآلهة ، ودون ما سواه مما تعبده كفرة خلقه من الأوثان والأصنام . وهذا كلام مخرجه مخرج الخبر يُنْحَى به نحو الأمر ، يقول : أخلصوا الحمد والشكر للذي خلقكم أيها الناس وخلق السموات والأرض ، ولا تشركوا معه في ذلك أحداً شيئاً ، فإنه المستوجب عليكم الحمد بأياديه عندكم ونعمه عليكم ، لا من تعبدونه من دونه وتجعلونه له شريكاً من خلقه . وقد بينا الفصل بين معنى الحمد والشكر بشواهده فيما مضى قبل . القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ } . يقول تعالى ذكره : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وأظلم الليل وأنار النهار . كما : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ } قال : الظلمات : ظلمة الليل ، والنور : نور النهار . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أما قوله : { الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلْمَاتِ والنُّورِ } فإنه خلق السموات قبل الأرض ، والظلمة قبل النور ، والجنة قبل النار . فإن قال قائل : فما معنى قوله إذن « جَعَلَ » ؟ قيل : إن العرب تجعلها ظرفاً للخبر والفعل ، فتقول : جعلت أفعل كذا ، وجعلت أقوم وأقعد ، تدلّ بقولها « جعلت » على اتصال الفعل ، كما تقول : علقت أفعل كذا ، لا أنها في نفسها فعل ، يدلّ على ذلك قول القائل : جعلت أقوم ، وأنه لا جعل هناك سوى القيام ، وإنما دلّ بقوله « جعلت » على اتصال الفعل ودوامه ، ومن ذلك قول الشاعر : @ وزَعَمْتَ أنَّكَ سوْفَ تسْلُكُ قَادِرَاً والمَوْتُ مُتَسعٌ طَرِيقَيْ قادِرِ فاجْعَلْ تَحَلَّلْ مِنْ يَمِينِكَ إنَّمَا حِنْثُ اليَمِينِ على الأثيمِ الفاجِرِ @@ يقول « فاجعل تحلَّل » بمعنى : تحلل شيئاً بعد شيء ، لا أن هناك جعلاً من غير التحليل . فكذلك كلّ جعل في الكلام إنما هو دليل على فعل له اتصال ، لا أن له حظاً في معنى الفعل فقوله : { وَجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ } إنما هو أظلم ليلهما وأنار نهارهما . القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . يقول تعالى ذكره معجّباً خلقه المؤمنين من كفرة عباده ومحتجًّا على الكافرين : إن الإله الذي يجب عليكم أيها الناس حمده هو الذي خلق السموات والأرض ، الذي جعل منهما معايشكم وأقواتكم وأقوات أنعامكم التي بها حياتكم ، فمن السموات ينزل عليكم الغيث وفيها تجري الشمس والقمر باعتقاب واختلاف لمصالحكم ومن الأرض ينبت الحبَّ الذي به غذاؤكم ، والثمار التي فيها ملاذكم ، مع غير ذلك من الأمور التي فيها مصالحكم ومنافعكم بها . والذين يجحدون نعمة الله عليهم بما أنعم به عليهم من خلق ذلك لهم ولكم أيها الناس بربهم الذي فعل ذلك وأحدثه { يَعْدِلُونَ } : يجعلون له شريكاً في عبادتهم إياه ، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام والأوثان ، وليس منها شيء شركه في خلق شيء من ذلك ولا في إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم ، بل هو المنفرد بذلك كله ، وهم يشركون في عبادتهم إياه غيره . فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها من عظة ، لمن فكَّر فيها بعقل وتدبرها بفهم ولقد قيل إنها فاتحة التوراة . حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمّي ، عن أبي عمران الجونّي ، عن عبد الله بن رباح ، عن كعب ، قال : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام : { الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا زيد بن حباب ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجونّي ، عن عبد الله ابن رباح ، عن كعب ، مثله . وزاد فيه : وخاتمة التوراة خاتمة هود . يقال من مساواة الشيء بالشيء : عدلت هذا بهذا ، إذا ساويته به عدلاً . وأما في الحكم إذا أنصفت فيه ، فإنك تقول : عَدَلْت فيه أعدل عدلاً . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : { يَعْدِلُونَ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَعْدِلُونَ } قال : يشركون . ثم اختلف أهل التأويل فيمن عُنِي بذلك ، فقال بعضهم : عُنِي به أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن ابن أبزى ، قال : جاءه رجل من الخوارج يقرأ عليه هذه الآية : { الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورِ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قال له : أليس الذين كفروا بربهم يعدلون ؟ قال : بلى . قال : وانصرف عنه الرجل ، فقال له رجل من القوم : يا ابن أبزى ، إن هذا قد أراد تفسير هذه غير هذا ، إنه رجل من الخوارج فقال : ردّوه عليّ فلما جاءه قال : هل تدري فيمن نزلت هذه الآية ؟ قال : لا . قال إنها نزلت في أهل الكتاب ، اذهب ولا تضعها على غير حدّها . وقال آخرون : بل عُنى بها المشركون من عبدة الأوثان . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قال : هؤلاء أهل صراحة . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قال : هم المشركون . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قال : الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله قال : وليس لله عِدْل ولا ندّ ، وليس معه آلهة ، ولا اتخذ صاحبة ولا ولداً . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : إن الله تعالى أخبر أن الذين كفروا بربهم يعدلون ، فعمّ بذلك جميع الكفار ، ولم يخصص منهم بعضاً دون بعض ، فجميعهم داخلون في ذلك : يهودهم ، ونصاراهم ، ومجوسهم ، وعبدة الأوثان منهم ومن غيرهم من سائر أصناف الكفر .