Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام من قومك يا محمد من يستمع إليك ، يقول : من يستمع القرآن منك ، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك وأمره ونهيه ، ولا يفقه ما تقول ولا يوعيه قلبه ، ولا يتدبره ولا يصغي له سمعه ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك ، إنما يسمع صوتك وقراءتك وكلامك ، ولا يعقل عنك ما تقول لأن الله قد جعل على قلبه أكنّة . وهي جمع كنان ، وهو الغطاء مثل سنان وأسنة ، يقال منه : أكننت الشيء في نفسي بالألف ، وكنَنَتُ الشيء إذا غطيته ، ومن ذلك بَيْضٌ مَكْنُونٌ وهو الغطاء ، ومنه قول الشاعر : @ تَحْتَ عَيْنٍ كِنانُنا ظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ @@ يعني غطاءهم الذي يكنّهم . { وفِي آذَانهِمْ وَقْراً } يقول تعالى ذكره : وجعل في آذانهم ثقلاً وصمماً عن فهم ما تتلو عليهم والإصغاء لما تدعوهم إليه . والعرب تفتح الواو من « الوَقْر » في الأذن : وهو الثقل فيها ، وتكسرها في الحمل ، فتقول : هو وِقْر الدابة ، ويقال من الحِمل : أوقرت الدابة فهي مُوقَرة ، ومن السمع : وقرت سمعه فهو موقور ، ومنه قول الشاعر : @ ولي هامَةٌ قَدْ وَقَرَ الضِّرْبُ سَمْعَها @@ وقد ذكر سماعاً منهم : وقَرَتْ أذنه : إذا ثقلت ، فهي موقورة ، وأوقَرت النخلة فهي مُوقر ، كما قيل : امرأة طامث وحائض ، لأنه لاحظّ فيه للمذكر ، فإذا أريد أن الله أوقرها قيل موقرة . وقال تعالى ذكره : { وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ } بمعنى : أن لا يفقهوه ، كما قال : { يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } بمعنى : أن لا تضلوا ، لأن الكنّ إنما جعل على القلب لئلا يفقهه لا ليفقهه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } قال : يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئاً ، كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } أما أكنة : فالغطاء ، أكنّ قلوبهم لا يفقهون الحقّ ، { وفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } قال صمم . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ } قال : قريش . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . القول في تأويل قوله تعالى : { وَإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حتى إذَا جَاءُوكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلاَّ أساطِيرُ الأوَّلِينَ } . يقول تعالى ذكره : وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام ، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك ، { كُلَّ آيَةٍ } : يقول : كل حجة وعلامة تدلّ أهل الحِجا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبّوتك { لا يُؤْمِنُوا بِها } يقول : لا يصدّقون بها ولا يقرّون بأنها دالة على ما هي عليه دالة . { حتى إذَا جَاءُوكَ يُجادِلُونَكَ } يقول : حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الآيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به يجادلونك ، يقول : يخاصمونك . { يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا } يعني بذلك الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها ، يقولون لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجّ بها عليهم وبيانه الذي بينه لهم : { إنْ هَذَا إلاَّ أساطِيرُ الأوَّلِينَ } أي ما هذا إلاَّ أساطير الأوّلين . والأساطير : جمع أسْطارة وأُسْطورة مثل أفكوهة وأضحوكة ، وجائز أن يكون الواحد أسطارا مثل أبيات وأبابيت وأقوال وأقاويل ، من قول الله تعالى : وكِتابٍ مَسْطُورٍ من سَطَرَ يَسْطُرْ سَطْراً . فإن كان من هذا ، فإن تأويله : ما هذا إلاَّ ما كتبه الأوّلون . وقد ذكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأوّلونه بهذا التأويل ، ويقولون معناه : إن هذا إلاَّ أحاديث الأوّلين . حدثني بذلك المثنى بن إبراهيم ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، أما : { أساطِيرُ الأوَّلِينَ } فأساجيع الأوّلين . وكان بعض أهل العلم وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى بكلام العرب يقول : الإسطارة : لغة الخرافات والترّهات . وكان الأخفش يقول : قال بعضهم : واحده أسطورة ، وقال بعضهم : إسطارة قال : ولا أراه إلاَّ من الجمع الذي ليس له واحد ، نحو العبابيد والمذاكير والأبابيل . قال : وقال بعضهم : واحد الأبابيل : إبِّيل وقال بعضهم : إبَّوْل ، مثل عِجَّوْل ، ولم أجد العرب تعرف له واحداً ، وإنما هو مثل عباديد لا واحد لها . وأما الشماطيط ، فإنهم يزعمون أن واحده شِمْطاط ، قال : وكلّ هذه لها واحد ، إلاَّ أنه لم يستعمل ولم يتكلم به ، لأن هذا المثال لا يكون إلاَّ جمعاً قال : وسمعت العرب الفصحاء تقول : أرسل خيله أبابيل ، تريد جماعات ، فلا تتكلم بها موحدة . وكانت مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذكر ، ما : حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { حتى إذَا جَاءُوكَ يُجادِلُونَكَ … } الآية : قال : هم المشركون يجادلون المسلمين في الذبيحة ، يقولون : أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون ، وأما ما قتل الله فلا تأكلون ، وأنتم تتبعون أمر الله تعالى .