Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 27-27)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَلَوْ تَرَى } يا محمد هؤلاء العادلين بربهم الأصنام والأوثان الجاحدين نبوّتك الذين وصفت لك صفتهم ، { إذْ وُقِفُوا } يقول : إذ حبسوا ، { على النَّارِ } يعني في النار ، فوضعت « على » موضع « في » كما قال : { وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ على مُلْكِ سَلَيْمانَ } بمعنى في ملك سليمان . وقيل : { وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا } ومعناه : إذا وقفوا لما وصفنا قبل فيما مضى أن العرب قد تضع « إذ » مكان « إذا » ، و « إذا » مكان « إذ » ، وإن كان حظّ « إذ » أن تصاحب من الأخبار ما قد وجد فقضى ، وحظّ « إذا » أن تصاحب من الأخبار ما لم يوجد ، ولكن ذلك كما قال الراجز وهو أبو النجم : مدَّ لنا في عُمْرِهِ ربُّ طَهَ @ ثمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنّا إذْ جَزَى جنَّاتِ عَدْنٍ في العلاليِّ العُلا @@ فقال : « ثم جزاه الله عنا إذ جزى » ، فوضع « إذ » مكان « إذا » . وقيل : « وُقِفوا » ولم يقل « أوقفوا » ، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب ، يقال : وقفت الدابة وغيرها بغير ألف إذا حبستها ، وكذلك وقفت الأرض إذا جعلتها صدقة حبيساً ، بغير ألف . وقد : حدثني الحارث ، عن أبي عبيد ، قال : أخبرني اليزيديّ والأصمعيّ كلاهما ، عن أبي عمرو ، قال : ما سمعت أحداً من العرب يقول : « أوقفت الشيء » بالألف . قال : إلا أني لو رأيت رجلاً بمكان ، فقلت : ما أوقفك هاهنا ؟ بالألف لرأيته حسناً . { فَقَالُوا يا لَيْتَنَا نُرَدُّ } يقول : فقال هؤلاء المشركون بربهم إذ حبسوا في النار : يا ليتنا نردّ إلى الدنيا حتى نتوب ونراجع طاعة الله ، { وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا } يقول : ولا نكذّب بحجج ربنا ولا نجحدها ، { وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } يقول : ونكون من المصدّقين بالله وحججه ورسله ، متبعي أمره ونهيه . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراقيين : « يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذّبُ بآياتِ رَبِّنا وَنَكُونُ مِنَ المُؤْمِنِينَ » بمعنى : يا ليتنا نردّ ، ولسنا نكذّب بآيات ربنا ولكن نكون من المؤمنين . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : { يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } بمعنى يا ليتنا نردّ ، وأن لا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين . وتأوّلوا في ذلك شيئاً : حدّثنيه أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : في حرف ابن مسعود : « يا لَيْتَنا نُرَدُّ فَلا نُكَذّبَ » بالفاء . وذكر عن بعض قرّاء أهل الشام أنه قرأ ذلك : « يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذّبُ » بالرفع { ونَكُونَ } بالنصب . كأنه وجه تأويله إلى أنهم تمنوا الردّ وأن يكونوا من المؤمنين ، وأخبروا أنهم لا يكذّبون بآيات ربهم إن ردّوا إلى الدنيا . واختلف أهل العربية في معنى ذلك منصوباً ومرفوعاً ، فقال بعض نحويي البصرة : { وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } نصب لأنه جواب للتمني ، وما بعد الواو كما بعد الفاء . قال : وإن شئت رفعت وجعلته على غير التمني ، كأنهم قالوا : ولا نكذّب والله بآيات ربنا ، ونكون والله من المؤمنين هذا إذا كان على ذا الوجه كان منقطعاً من الأوّل . قال : والرفع وجه الكلام ، لأنه إذا نصب جعلها واو عطف ، فإذا جعلها واو عطف ، فكأنهم قد تمنوا أن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين . قال : وهذا والله أعلم لا يكون ، لأنهم لم يتمنوا هذا ، إنما تمنوا الردّ ، وأخبروا أنهم لا يكذّبون ويكونون من المؤمنين . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : لو نصب « نكذّب » و « نكون » على الجواب بالواو لكان صواباً قال : والعرب تجيب بالواو و « ثم » ، كما تجيب بالفاء ، يقولون : ليت لي مالاً فأعطيك ، وليت لي مالاً وأعطيك وثم أعطيك . قال : وقد تكون نصباً على الصرف ، كقولك : لا يسعني شيء ويعجز عنك . وقال آخر منهم : لا أحبّ النصب في هذا ، لأنه ليس بتمنّ منهم ، إنما هو خبر أخبروا به عن أنفسهم ألا ترى أن الله تعالى قد كذبهم فقال : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } وإنما يكون التكذيب للخبر لا للتمني . وكان بعضهم ينكر أن يكون الجواب بالواو ، وبحرف غير الفاء ، وكان يقول : إنما الواو موضع حال ، لا يسعني شيء ويضيق عنك : أي وهو يضيق عنك . قال : وكذلك الصرف في جميع العربية . قال : وأما الفاء فجواب جزاء ، ما قمت فآتيك : أي لو قمت لأتيناك . قال : فهذا حكم الصرف والفاء . قال : وأما قوله : { وَلا نُكَذّبَ } { ونكُونَ } فإنما جاز ، لأنهم قالوا : يا ليتنا نردّ في غير الحال التي وقُفِنْا فيها على النار ، فكان وقفهم في تلك ، فتمنوا أن لا يكونوا وقفوا في تلك الحالة . وكأن معنىّ صاحب هذه المقالة في قوله هذا : ولو ترى إذ وُقِفوا على النار ، فقالوا : قد وقفنا عليها مكذّبين بآيات ربنا كفاراً ، فيا ليتنا نردّ إليها فنوقف عليها غير مكذّبين بآيات ربنا ولا كفاراً . وهذا تأويل يدفعه ظاهر التنزيل ، وذلك قول الله تعالى : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وإنَّهُم لكاذِبُونَ } فأخبر الله تعالى أنهم في قيلهم ذلك كذبة ، والتكذيب لا يقع في التمني ، ولكن صاحب هذه المقالة أظنّ به أنه لم يتدبر التأويل ولزم سنن العربية . والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك : « يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ » بالرفع في كليهما ، بمعنى : يا ليتنا نردّ ، ولسنا نكذّب بآيات ربنا إن رددنا ، ولكنا نكون من المؤمنين على وجه الخبر منهم عما يفعلون إن هم ردّوا إلى الدنيا ، لا على التمني منهم أن لا يكذّبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أنهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ، وأنهم كذبة في قيلهم ذلك . ولو كان قيلهم ذلك على وجه التمني لاستحال تكذيبهم فيه ، لأن التمني لا يكذّب ، وإنما يكون التصديق والتكذيب في الأخبار . وأما النصب في ذلك ، فإني أظنّ بقارئه أنه برجاء تأويل قراءة عبد الله التي ذكرناها عنه ، وذلك قراءته ذلك : « يا لَيْتَنا نُرَدُّ فَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ » على وجه جواب التمني بالفاء . وهو إذا قرىء بالفاء كذلك لا شكّ في صحة إعرابه ، ومعناه في ذلك أن تأويله إذا قرىء كذلك : لو أنا رُددنا إلى الدنيا ما كذّبنا بآيات ربنا ، ولكنا من المؤمنين . فإن يكن الذي حَكَي عن العرب من السماع منهم الجواب بالواو و « ثم » كهئية الجواب بالفاء صحيحاً ، فلا شكّ في صحة قراءة من قرأ ذلك : { يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ } نصباً على جواب التمني بالواو ، على تأويل قراءة عبد الله ذلك بالفاء ، وإلا فإن القراءة بذلك بعيدة المعنى من تأويل التنزيل . ولست أعلم سماع ذلك من العرب صحيحاً ، بل المعروف من كلامها الجواب بالفاء والصرف بالواو .