Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقول المشركون ، وذلك قولهم له : إنه كذّاب ، فإنهم لا يكذّبونك . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك بمعنى : أنهم لا يكذّبونك فيما أتيتهم به من وحي الله ، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحاً بل يعلمون صحته ، ولكنهم يجحدون حقيقته قولاً فلا يؤمنون به . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون : أكذبت الرجل : إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه . قال : ويقولون : كذبته : إذا أخبرت أنه كاذب . وقرأته جماعة من قرّاء المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة : { فإنَّهُمْ لا يُكَذّبونَكَ } بمعنى : أنهم لا يكذّبونك علماً ، بل يعلمون أنك صادق ، ولكنهم يكذّبونك قولاً ، عناداً وحسداً . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما جماعة من القرّاء ، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم . وذلك أن المشركين لا شكّ أنه كان منهم قوم يكذّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعونه عما كان الله تعالى خصه به من النبوّة فكان بعضهم يقول : هو شاعر ، وبعضهم يقول : هو كاهن ، وبعضهم يقول : هو مجنون وينفي جميعهم أن يكون الذي أتاهم به من وحي السماء ومن تنزيل ربّ العالمين قولاً . وكان بعضهم قد تبين أمره وعلم صحة نبوّته ، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسداً له وبغياً . فالقارىء : « فإنهم لا يُكْذِبُونك » يعني به : أن الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول ، يجحدون أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل الله ومن عند الله قولاً ، وهم يعلمون أن ذلك من عند الله علماً صحيحاً مصيبٌ . لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم من هذه صفته . وفي قول الله تعالى في هذه السورة : { الَّذِينَ آتَيْناهُمْ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كمَا يَعْرِفونَ أبْناءَهُمْ } أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم العناد في جحود نبوّته صلى الله عليه وسلم ، مع علم منهم به وصحة نبوّته . وكذلك القارىء : « فإنهم لا يُكَذِّبُونَكَ » : يعني : أنهم لا يكذّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عناداً لا جهلاً بنبوّته وصدق لهجته مصيبٌ . لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم مَن هذه صفته . وقد ذهب إلى كلّ واحد من هذين التأويلين جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال : معنى ذلك : فإنهم لا يكذّبونك ، ولكنهم يجحدون الحقّ على علم منهم بأنك نبيّ لله صادق . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فإنَّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ } قال : جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين ، فقال له : ما يحزنك ؟ فقال : « كذّبني هؤلاء » . قال : فقال له جبريل : إنهم لا يكذّبونك هم يعلمون أنك صادق ، { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين ، فقال له : ما يحزنك ؟ فقال : « كذّبني هَؤلاءِ » . فقال له جبريل : إنهم لا يكذّبونك ، إنهم ليعلمون أنك صادق ، { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } قال : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط : عن السديّ ، في قوله : { قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فإنَّهُمْ لا يُكَذّبونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } لما كان يوم بدر ، قال الأخنس بن شريق لبني زهرة : يا بني زهرة ، إن محمداً ابن أختكم ، فأنتم أحقّ من كفّ عنه فإنه إن كان نبياً لم تقاتلونه اليوم ؟ وإن كان كاذباً كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته ، قفوا ههنا حتى ألقي أبا الحكم ، فإن غلب محمد صلى الله عليه وسلم رجعتم سالمين ، وإن غُلب محمد فإن قومكم لا يصنعون بكم شيئاً فيؤمئذ سمي الأخنس ، وكان اسمه أبيّ . فالتقى الأخنس وأبو جهل ، فخلا الأخنس بأبي جهل ، فقال : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا . فقال أبو جهل : ويحك ، والله إن محمداً لصادق ، وما كذب محمد قطّ ، ولكن إذا ذهب بنوقصيّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوّة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله : { فإنَّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم . حدثني الحرث بن محمد ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا قيس ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : { فإنَّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ } قال : ليس يكذّبون محمداً ، { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } . ذكر من قال ذلك بمعنى : فإنهم لا يكذّبونك ولكنهم يكذّبون ما جئت به : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية ، قال : قال أبو جهل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : ما نتهمك ، ولكن نتهم الذي جئت به . فأنزل الله تعالى : { فإنَّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب : أن أبا جهل قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذّبك ، ولكن نكذّب الذي جئت به . فأنزل الله تعالى : { فإنَّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } . وقال آخرون : معنى ذلك : فإنهم لا يبطلون ما جئتهم به . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب : { فإنَّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ } قال : لا يبطلون ما في يديك . وأما قوله : { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } فإنه يقول : ولكن المشركين بالله بحجج الله وآي كتابه ورسوله يجحدون ، فينكرون صحة ذلك كله . وكان السديّ يقول : الآيات في هذا الموضع معنيّ بها محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه قبل .