Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 57-57)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم ، الداعين لك إلى الإشراك بربك : { إنّي على بَيِّنَةٍ مِنْ ربي } أي إني على بيان قد تبينته وبرهان قد وضح لي من ربي ، يقول : من توحيده ، وما أنا عليه من إخلاص عبوديته من غير إشراك شيء به وكذلك تقول العرب : فلان على بينة من هذا الأمر : إذا كان على بيان منه ، ومن ذلك قول الشاعر : @ أبَيِّنَةً تَبْغُونَ بَعدَ اعْتِرَافِهِ وقَوْلِ سُوَيْدٍ قدْ كَفَيْتُكُمْ بِشْرَا @@ { وكَذَّبْتُمْ بِهِ } يقول : وكذبتم أنتم بربكم . والهاء في قوله « به » من ذكر الربّ جل وعزّ . { ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } يقول : ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي ، ولا أنا على ذلك بقادر . وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتوحيده ، فدعاهم إلى الله وأخبرهم أنه رسوله إليهم : { هَلْ هَذَا إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفَتأْتونَ السِّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ } وقالوا للقرآن : هو أضغاث أحلام . وقال بعضهم : بل هو اختلاق اختلقه . وقال آخرون : بل محمد شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : أجبهم بأن الآيات بيد الله لا بيدك ، وإنما أنت رسول ، وليس عليك إلاَّ البلاغ لما أرسلت به ، وإن الله يقضي الحقّ فيهم وفيك ويفصل به بينك وبينهم فيتبين المحقّ منكم والمبطل . { وهُوَ خَيْرُ الفاصلِينَ } : أي وهو خير من بين وميز بين المحقّ والمبطل وأعدلهم ، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة ، ولا في قضائه جور لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجوز ، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين . وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله : « وهُوَ أسْرَعُ الفَاصِلين » . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال : في قراءة عبد الله : « يقضي الحقّ وهو أسرع الفاصلين » . واختلفت القراء في قراءة قوله : « يَقْضِي الحَقّ » فقرأه عامة قرّاء الحجاز والمدينة وبعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة : { إن الحُكْمُ إلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الحَقَّ } بالصاد بمعنى القصص ، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ } وذكر ذلك عن ابن عباس . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : { يَقُصُّ الحَقَّ } ، وقال : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ . وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفة والبصرة : « إن الحُكْمُ إلاَّ لِلّهِ يَقْضِي الحَقَّ » بالضاد من القضاء بمعنى الحكم والفصل بالقضاء . واعتبروا صحة ذلك بقوله : { وَهُوَ خَيْرُ الفاصلِين } َ وأن الفصل بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقصص . وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب لما ذكرنا لأهلها من العلة . فمعنى الكلام إذن : ما الحكم فيما تستعجلون به أيها المشركون من عذاب الله وفيما بيني وبينكم ، إلاَّ لله الذي لا يجور في حكمه ، وبيده الخلق والأمر ، يقضي الحقّ بيني وبينكم ، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه .