Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 6-6)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم ير هؤلاء المكذّبون بآياتي الجاحدون نبوّتك ، كثرة من أهلكت من قبلهم من القرون ، وهم الأمم الذين وطأت لهم البلاد والأرض وطاءة لم أوطئها لهم ، وأعطيتهم فيها ما لم أعطهم . كما : حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { مَكِّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } يقول : أعطيناهم ما لم نعطكم . قال أبو جعفر : أمطرت فأخرجت لهم الأشجار ثمارها ، وأعطتهم الأرض رَيْع نباتها ، وجابوا صخور جبالها ، ودرّت عليهم السماء بأمطارها ، وتفجرت من تحتهم عيون المياه بينابيعها بإذني ، فغمطوا نعمة ربهم وعصوا رسول خالقهم وخالفوا أمر بارئهم ، وبغوا حتى حُقّ عليهم قولي ، فأخذتهم بما اجترحوا من ذنوبهم وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم ، وأهلكت بعضهم بالرجفة وبعضهم بالصيحة وغير ذلك من أنواع العذاب . ومعنى قوله : { وأرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدرَاراً } المطر ، ويعني بقوله : « مدراراً » : غزيرة دائمة . { وأنْشَأْنَا مِنَ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } يقول وأحدثنا من بعدهم الذين أهلكناهم قرناً آخرين فابتدأنا سواهم . فإن قال قائل : فما وجه قوله : { مَكنَّاهُمْ فَي الأرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } ومن المخاطب بذلك ؟ فقد ابتدأ الخبر في أوّل الآية عن قوم غيب بقوله : { ألَمْ يَرَوْا كَم أهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } ؟ قيل : إن المخاطب بقوله : { ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } هو المخبر عنهم بقوله : { ألَمْ يَرَوُا كَمْ أهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } ولكن في الخبر معنى القول ، ومعناه : قل يا محمد لهؤلاء القوم الذين كذّبوا بالحقّ لما جاءهم : { ألَمْ يَرَوْا كَمْ أهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَنَّاهُمْ في الأرْضِ ما لَمْ نُمْكِّنْ لَكُمْ } . والعرب إذا أخبرت خبراً عن غائب وأدخلت فيه قولاً فعلت ذلك فوجهت الخبر أحياناً إلى الخبر عن الغائب ، وأحياناً إلى الخطاب ، فتقول : قلت لعبد الله : ما أكرمه ، وقلت لعبد الله : ما أكرمك ، وتخبر عنه أحياناً على وجه الخبر عن الغائب ثم تعود إلى الخطاب ، وتخبر على وجه الخطاب له ثم تعود إلى الخبر عن الغائب . وذلك في كلامها وأشعارها كثير فاش وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد كان بعض نحوي البصرة يقول في ذلك : كأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطبه معهم وقال : حتى إذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب ، لأنه المخاطب .