Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 70-70)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ذر هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إياه لعباً ولهواً ، فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته واللهو والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم ، فأعرض عنهم ، فإني لهم بالمرصاد ، وإني لهم من وراء الإنتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا ونسيانهم المعاد إلى الله تعالى والمصير إليه بعد الممات . كالذي : حدثني محمد بن عروة ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله الله : { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبا ولَهْواً } قال : كقوله : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . وقد نسخ الله تعالى هذه الآية بقوله : { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وكذلك قال عدد من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا حجاج بن المنهال ، قال : ثنا همام بن يحيى ، عن قتادة : { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً ولَهْواً } ثم أنزل في سورة براءة ، فأمر بقتالهم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبدة بن سليمان ، قال : قرأت علي ابن أبي عروبة ، فقال : هكذا سمعته من قتادة : { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً ولَهْواً } ثم أنزل الله تعالى ذكره براءة ، وأمر بقتالهم ، فقال : { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وأما قوله : { وَذَكِّر بِهِ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } فإنه يعني به : وذكر يا محمد بهذا القرآن هؤلاء المولين عنك وعنه { أن تُبْسَل نَفْسٌ } بمعنى : أن لا تبسل ، كما قال : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } بمعنى : أن لا تضلوا . وإنما معنى الكلام : وذكر به ليؤمنوا ويتبعوا ما جاءهم من عند الله من الحقّ ، فلا تُبْسَل أنفسهم بما كسبت من الأوزار ولكن حذفت « لا » لدلالة الكلام عليها . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ } فقال بعضهم : معنى ذلك : أن تُسْلَم . ذكر من قال ذلك : حدثنا حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرمة ، قوله : { أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } قال : تسلم . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : { أنْ لا تُبْسَلَ نَفْسٌ } قال : أن تُسْلَم . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، مثله . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : { أنْ تُبْسَلَ } قال : تسلم . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ } قال : تسلم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد : { أولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا } أسلموا . وقال آخرون : بل معنى ذلك : تحبس . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ } قال : تؤخذ فتحبس . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، في قوله : { أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } : أن تؤخذ نفس بما كسبت . وقال آخرون : معناه : تفضح . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَذَكِّرْ بِهِ أنْ تُبْسَلَ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } يقول : تفضح . وقال آخرون : معناه : أن تجزى . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، قال : قال الكلبي : { أنْ تُبْسَلَ } : أن تجزى . وأصل الإبسال : التحريم ، يقال منه : أبسلت المكان : إذا حرمته فلم تقر به ومنه قوله الشاعر : @ بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى بَسْلٌ عَلَيْكَ مَلاَمَتِي وَعِتابي @@ أي حرام ومنه قولهم : وعتابي أسد آسد ، ويراد به : لا يقربه شيء ، فكأنه قد حرم نفسه . ثم يجعل ذلك صفة لكل شديد يُتحامى لشدّته ، ويقال : أعط الراقي بسيلَتَهُ ، يراد بذلك : أجرته ، شراب بسيل : بمعنى متروك ، وكذلك المبسل بالجريرة ، وهو المرتهن بها ، قيل له مبسل لأنه محرّم من كلّ شيء إلا مما رهن فيه وأسلم به ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابي : @ وإبْسالي بَنِيَّ بغَيْرِ جُرْمٍ بَعَوْناهُ وَلا بدَمٍ مُرَاقِ @@ وقال الشَّنْفَرَي : @ هُنالِكَ لا أرْجُو حيَاةً تَسُرُّنِي سَمِيرَ اللَّيالي مُبْسَلاً بالجَرائِرِ @@ فتأويل الكلام إذن : وذكِّر بالقرآن هؤلاء الذين يخوضون في آياتنا وغيرَهم ممن سلك سبيلهم من المشركين ، كيلا تبسل نفس بذنوبها وكفرها بربها ، وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب الله . { لَيْسَ لهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ } يقول : ليس لها حين تسلم بذنوبها فترتهن بما كسبت من آثامها أحد ينصرها فينقذها من الله الذي جازاها بذنوبها جزاءها ، ولا شفيع يشفع لها ، لوسيلة له عنده . القول في تأويل قوله تعالى : { وَإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها } . يقول تعالى ذكره : { وَإنْ تَعْدِلْ } النفس التي أبسلت بما كسبت ، يعني وإن تعدل { كُلَّ عَدْلٍ } يعني : كلّ فداء ، يقال منه : عَدَلَ يعدِلُ : إذا فدى ، عَدْلاً . ومنه قول الله تعالى ذكره : أوْ عَدْلُ ذلكَ صِياماً وهو ما عادله من غير نوعه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها } قال : لو جاءت بملء الأرض ذهباً لم يُقبل منها . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ في قوله : { وَإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها } فما يَعْدِلها ، لو جاءت بملء الأرض ذهباً لتفتدى به ما قُبِل منها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها } قال : وأن تعدل : وإن تفتد يكون له الدنيا وما فيها يفتدي بها لا يؤخذْ منه عَدَلاً عن نفسه ، لا يقبل منه . وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم بالعربية بمعنى : وإن تَقْسِط كلّ قِسْط لا يُقبل منها وقال إنها التوبة في الحياة . وليس لما قال من ذلك معنى ، وذلك أن كلّ تائب في الدنيا فإن الله تعالى يقبل توبته . القول في تأويل قوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسَلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ ألِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } . يقول تعالى ذكره : وهؤلاء الذين إن فدوا أنفسهم من عذاب الله يوم القيامة كلّ فداء لم يؤخذ منهم ، هم { الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } يقول : أسلموا لعذاب الله ، فرُهنوا به جزاء بما كسبوا في الدنيا من الآثام والأوزار . { لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ } والحميم : هو الحارّ في كلام العرب ، وإنما هو محموم صُرف إلى فعيل ، ومنه قيل للحمَّام : حمام ، لإسخانه الجسم ومنه قول مرقش : @ في كُلّ مُمْسًى لَهَا مِقْطِرَةٌ فِيها كِباءٌ مُعَدٌّ وحَمِيمْ @@ يعني بذلك ماءً حارّاً ومنه قول أبي ذويب الهُذلي في صفة فرس : @ تَأْبَى بِدِرْتِها إذَا ما اسْتُغْضِبَتْ إلاَّ الحَمِيمَ فإنَّهُ يَتَبَضَّعُ @@ يعني بالحميم : عرق الفرس . وإنما جعل تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية شراباً من حميم ، لأن الحارّ من الماء لا يُروِي من عطش ، فأخبر أنهم إذا عطشوا في جهنم لم يغاثوا بماء يرويهم ، ولكن بما يزيدون به عطشاً على ما بهم من العطش ، { وعَذَابٌ ألِيمٌ } يقول : ولهم أيضاً مع الشراب الحميم من الله العذاب الأليم والهوان المقيم . { بِمَا كانُوا يَكْفُرُونَ } يقول : بما كان من كفرهم في الدنيا بالله وإنكارهم توحيده وعبادتهم معه آلهة دونه . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } قال : يقال : أسلِموا . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا } قال : فضحوا . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } قال : أخذوا بما كسبوا .