Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 13-14)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل العربية فيما نعتت به قوله { وأُخْرَى } فقال بعض نحوييّ البصرة : معنى ذلك : وتجارة أخرى ، فعلى هذا القول يجب أن يكون أخرى في موضع خفض عطفاً به على قوله : { هَلْ أدُلُّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمِ } وقد يحتمل أن يكون رفعاً على الابتداء . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : هي في موضع رفع . أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة ، ثم قال : { نصر من الله } مفسراً للأخرى . والصواب من القول في ذلك عندي القول الثاني ، وهو أنه معنّي به : ولكم أخرى تحبونها ، لأن قوله { نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ } مبين عن أن قوله { وأُخرى } في موضع رفع ، ولو كان جاء ذلك خفضاً حسن أن يجعل قوله { وأُخْرَى } عطفاً على قوله { تِجَارَةٍ } ، فيكون تأويل الكلام حينئذ لو قرىء ذلك خفضاً ، وعلى خلة أخرى تحبونها ، فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت : هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله ، يغفر لكم ذنوبكم ، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها : نصر من الله لكم على أعدائكم ، وفتح قريب يعجله لكم . { وَبَشِّرِ المؤْمِنِينَ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدّوهم ، وفتح عاجل لهم . وقوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصَارَ اللَّهِ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : « كُونُوا أنْصَاراً للَّهِ » بتنوين الأنصار . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بإضافة الأنصار إلى الله . والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، ومعنى الكلام : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، كونوا أنصار الله ، كما قال عيسى ابن مريم للحواريين : { مَنْ أنْصَاري إلى اللَّهِ } ، يعني من أنصاري منكم إلى نصرة الله لي . وكان قتادة يقول في ذلك ما : حدثني به بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصَارَ اللَّهِ كما قال عيسَى ابنُ مَرْيَمَ للْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنْصَارِي إلى اللَّهِ قال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ } قال : قد كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه . وذُكر لنا أنه بايعه ليلة العقبة اثنان وسبعون رجلاً من الأنصار ، ذُكر لنا أن بعضهم قال : هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ إنكم تبايعون على محاربة العرب كلها أو يُسلموا . وذُكر لنا أن رجلاً قال : يا نبيّ الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، قال : " أُشْتَرِطُ لربيّ أَنْ تَعبدوه ، ولا تُشْرِكُوا به شيئاً ، وأَشْترطُ لنفسي أن تمنَعوني مما مَنَعْتُم منه أنفسَكُم وأبناءَكم " قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبيّ الله ؟ قال : " لكم النصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة " ففعلوا ، ففعل الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة { كُونُوا أنْصَارَ اللَّهِ كمَا قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ للْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنْصَارِي إلى اللَّهِ } قال : قد كان ذلك بحمد الله ، جاءه سبعون رجلاً ، فبايعوه عند العقبة ، فنصروه وآوَوْه حتى أظهر الله دينه قالوا : ولم يسمّ حيّ من السماء اسماً لم يكن لهم قبل ذلك غيرهم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إن الحواريين كلهم من قريش : أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وحمزة ، وجعفر ، وأبو عُبيدة ، وعثمان بن مظعون ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعثمان ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوّام . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { مَنْ أنْصَارِي إلى اللَّهِ } قال : من يتبعني إلى الله . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ميسرة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : سئل ابن عباس عن الحواريين ، قال : سُمُّوا لبياض ثيابهم كانوا صيادي السمك . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { الحواريون } : هم الغسالون بالنبطية يقال للغسال : حوارى ، وقد تقدم بياننا في معنى الحوارى بشواهده واختلاف المختلفين فيه قبل فيما مضى ، فأغنى عن إعادته . وقوله : { قالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ } يقول : قالوا : نحن أنصار الله على ما بعث به أنبياءه من الحقّ . وقوله : { فآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ } يقول جلّ ثناؤه : فآمنت طائفة من بني إسرائيل بعيسى ، وكفرت طائفة منهم به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جُبير ، عن ا بن عباس ، قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلاً من عين في البيت ورأسه يقطر ماء قال : فقال : إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرّة بعد أن آمن بي قال : ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ، ويكون معي في درجتي ؟ قال : فقام شاب من أحدثهم سنا ، قال : فقال أنا ، فقال له : اجلس ثم أعاد عليهم ، فقام الشاب ، فقال أنا قال : نعم أنت ذاك فأُلقى عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى من رَوْزَنة في البيت إلى السماء قال : وجاء الطلب من اليهود ، وأخذوا شبهه . فقتلوه وصلبوه ، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرّة بعد أن آمن به ، فتفرّقوا ثلاث فرق ، فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ، ثم صعد إلى السماء ، وهؤلاء اليعقوبية . وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء الله ، ثم رفعه إليه ، وهؤلاء النسطورية . وقالت فرقة . كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ، ثم رفعه الله إليه ، وهؤلاء المسلمون ، فتظاهرت الطائفتان الكافرتان على المسلمة ، فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فآمنت طائفة من بني إسرائيل ، وكفرت طائفة ، يعني الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى ، والطائفة التي آمنت في زمن عيسى ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوّهم ، فأصبحوا ظاهرين في إظهار محمد على دينهم دين الكفار ، فأصبحوا ظاهرين . وقوله : { فأيَّدْنا الَّذِينَ آمَنُوا على عَدُوّهِمْ } يقول : فقوّينا الذين آمنوا من الطائفتين من بني إسرائيل على عدوّهم ، الذي كفروا منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لتصديقه إياهم ، أن عيسى عبد الله ورسوله ، وتكذيبه من قال هو إله ، ومن قال : هو ابن الله تعالى ذكره ، فأصبحوا ظاهرين ، فأصبحت الطائفة المؤمنون ظاهرين على عدوّهم الكافرين منهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عبد الله الهلالي ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فأيَّدْنا الَّذِينَ آمَنُوا على عَدُوّهِمْ } قال : قوّينا . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم { فآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ } قال : لما بعث الله محمداً ، ونزل تصديق من آمن بعيسى ، أصبحت حجة من آمن به ظاهرة . قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم ، في قوله { فأيَّدْنا الَّذِينَ آمَنُوا على عَدُوّهِمْ فأصْبَحُوا ظاهِرِينَ } قال : أيدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فصدّقهم ، وأخبر بحجتهم . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : { فأصْبَحُوا ظاهِرِينَ } قال : أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم كلمة الله وروحه . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { فأصْبَحُوا ظاهِرِينَ } من آمن مع عيسى صلى الله عليه وسلم .