Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 8-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : يقول هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم قبل { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } فيها ، ويعني بالأعزّ : الأشدّ والأقوى ، قال الله جلّ ثناؤه : { ولِلَّهِ العِزَّةُ } يعني : الشدّة والقوّة { وَلِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ } بالله { وَلَكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } ذلك . وذُكر أن سبب قيل ذلك عبدُ الله بن أُبي كان من أجل أن رجلاً من المهاجرين كَسَعَ رجلا من الأنصار . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا زَمْعة ، عن عمرو ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال : إن الأنصار كانوا أكثر من المهاجرين ، ثم إن المهاجرين كثروا فخرجوا في غزوة لهم ، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، قال : فكان بينهما قتال إلى أن صرخ : يا معشر الأنصار ، وصرخ المهاجر : يا معشر المهاجرين قال : فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما لَكُمْ وَلِدعْوَةِ الجاهِلِيَّةِ " فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دَعُوها فإنَّها مُنْتِنَةٌ " قال : فقال عبد الله بن أُبي ابن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال عمر : يا رسول الله دعني فأقتله ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقْتُلُ أصْحَابَهُ " . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ } … إلى { ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ } قال : قال ذلك عبد الله بن أُبي ابن سلول الأنصاري رأس المنافقين ، وناس معه من المنافقين . حدثني أحمد بن منصور الرمادي قال : ثنا إبراهيم بن الحكم قال : ثني أبي عن عكرمة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي ابن سلول كان يقال له حباب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ، فقال : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تَقْتُلْ أباكَ عَبْدَ اللَّهِ " ثم جاء أيضاً فقال : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تَقْتُلْ أباكَ " فقال : يا رسول الله فتوضأ حتى أسقيه من وضوئك لعلّ قلبه أن يلين ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ، فذهب به إلى أبيه فسقاه ، ثم قال له : هل تدري ما سقيتك ؟ فقال له والده نعم ، سقيتني بول أمك ، فقال له ابنه : لا والله ، ولكن سقيتك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عكرمة : وكان عبد الله بن أُبي عظيم الشأن فيهم . وفيهم أنزلت هذه الآية في المنافقين : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حتى يَنْفَضُّوا } وهو الذي قال : { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } قال : فلما بلغوا المدينة ، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ، أخذ ابنه السيف ، ثم قال لوالده : أنت تزعم « لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ » ، فوالله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله أن رجلاً من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار برجله وذلك في أهل اليمن شديد فنادى المهاجري يا للمهاجرين ، ونادى الأنصاري يا للأنصار قال : والمهاجرون يومئذ أكثر من الأنصار ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " دَعُوها فإنَّها مُنْتِنَةٌ " فقال عبد الله بن أُبي ابن سلول ، { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } . حدثني عمران بن بكار الكلاعيّ ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عليّ بن سليمان ، قال : ثنا أبو إسحاق ، أن زيد بن أرقم ، أخبره أن عبد الله بن أُبي ابن سلول قال { لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حتى يَنْفَضُّوا } وقال { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } قال : فحدثني زيد أنه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول عبد الله بن أُبي ، قال : فجاء فحلف عبد الله بن أُبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك قال أبو إسحاق : فقال لي زيد ، فجلست في بيتي ، حتى أنزله الله تصديق زيد ، وتكذيب عبد الله في { إذا جاءك المنافقون } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَة لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } قرأ الآية كلها إلى { لا يَعْلَمُونَ } قال : قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا ، أحدهما غفاريّ ، والآخر جُهَنِيّ ، فظهر الغفاريّ على الجُهنيّ ، وكان بين جُهينة والأنصار حلف ، فقال رجل من المنافقين وهو ابن أُبي : يا بني الأوس ، يا بني الخزرج ، عليكم صاحبكم وحليفكم ، ثم قال : والله ما مثلنا ومَثَل محمد إلا كما قال القائل : « سَمِّن كلبك يأكلك » ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فسعى بها بعضهم إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا نبيّ الله مُر معاذ بن جبل أن يضرب عنق هذا المنافق ، فقال : " لا يتحدّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصحَابَهُ " ذُكر لنا أنه كان أُكْثِر على رجل من المنافقين عنده ، فقال : هل يصلي ؟ فقال : نعم ولا خير في صلاته ، فقال : نُهيت عن المصلين ، نُهيت عن المصلين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : اقتتل رجلان ، أحدهما من جُهينة ، والآخر من غفار ، وكانت جهينة حليف الأنصار ، فظهر عليه الغفاريّ ، فقال رجل منهم عظيم النفاق : عليكم صاحبكم ، عليكم صاحبكم ، فوالله ما مَثُلنا ومَثَل محمد إلا كما قال القائل : « سمّن كلبك يأكلك » ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وهم في سفر ، فجاء رجل ممن سمعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ذلك ، فقال عمر : مُر معاذاً يضرب عنقه ، فقال : " وَاللَّه لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصحَابَهُ " فنزلت فيهم : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ } وقوله : { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن أن غلاماً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني سمعت عبد الله بن أُبي يقول كذا وكذا قال : " فَلعَلَّكَ غَضِبْتَ عَلَيْهِ ؟ " قال : لا والله لقد سمعته يقوله قال : " فَلَعَلَّكَ أخْطأَ سَمْعُكَ ؟ " قال : لا والله يا نبيّ الله لقد سمعته يقوله قال : " فَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْكَ " قال : لا والله ، قال : فأنزل الله تصديقا للغلام : { لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ } ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام ، فقال : " وَفَتْ أُذُنُكَ ، وَفَتْ أُذُنُكَ يا غُلامُ " . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله { لَيُخْرِجَن الأعَزُّ مِنْها الأذَل } قال : كان المنافقون يسمون المهاجرين : الجلابيب وقال : قال ابن أُبي : قد أمرتكم في هؤلاء الجلابيب أمري ، قال : هذا بين أمَجٍ وعُسْفان على الكديد تنازعوا على الماء ، وكان المهاجرون قد غلبوا على الماء قال : وقال ابن أُبي أيضاً : أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلَّ لقد قلت لكم : لا تنفقوا عليهم ، لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون ، ويخرجوا ويهربوا فأتى عمر بن الخطاب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أُبي ؟ قال : " وما ذاك ؟ " فأخبره وقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله ، قال : " إذاً تَرْعَدُ لَهُ آنُفٌ كَثِيرَةٌ بِيَثْرِب " قال عمر : فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين ، فمرّ به سعد بن معاذ ، ومحمد بن مسلمة فيقتلانه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّي أكْرَهُ أنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصحَابَهُ ، ادْعُوا لي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْن أُبي " فدعاه ، فقال : " ألا تَرَى ما يَقُولُ أبُوكَ ؟ " قال : وما يقول بأبي أنت وأمي ؟ قال : " يَقُولُ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ " فقال : فقد صدق والله يا رسول الله ، أنت والله الأعزُّ وهو الأذلُّ ، أما والله لقد قَدِمت المدينة يا رسول الله ، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبرّ مني ، ولئن كان يرضى الله ورسوله أن آتيهما برأسه لآتِيَنَّها به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا " فلما قَدِموا المدينة ، قام عبد الله بن عبد الله بن أُبي على بابها بالسيف لأبيه ثم قال : أنت القائل : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ ، أما والله لتعرفنّ العزّة لك أو لرسول الله ، والله لا يأويك ظله ، ولا تأويه أبداً إلا بإذن من الله ورسوله فقال : يا للخزرج ابني يمنعني بيتي يا للخزرج ابني يمنعني بيتي فقال : والله لا تأويه أبداً إلا بإذن منه فاجتمع إليه رجال فكلموه ، فقال : والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله ، فأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال : " اذْهَبُوا إلَيْهِ ، فَقُولُوا له خَلِّهِ ومَسْكَنَه " فأتوه ، فقال : أما إذا جاء إمر النبيّ صلى الله عليه وسلم فنعم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سَلَمة وعليّ بن مجاهد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، وعن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كلّ قد حدثني بعض حديث بني المصطلق ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس فاقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق ، وقُتل من قتل منهم ، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فأفاءهم الله عليه ، وقد أصيب رجل من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر ، يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدوّ ، فقتله خطأ ، فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جَهْجاه بن سعيد ، يقود له فرسه ، فازدحم جَهْجاه وسنان الجُهْنِيُّ حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهنيّ : يا معشر الأنصار . وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين ، فغضب عبد الله بن أُبي ابن سلول ، وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ، غلام حديث السنّ ، فقال : قد فعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعُدّنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل : « سمّن كلبك يأكلك » ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلَّ ثم أقبل على من حضر من قومه ، فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه ، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله مُر به عباد بن بشر بن قيس فليقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فَكَيْفَ يا عُمَرُ إذَا تَحَدَّثَ النَّاس أن مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصحَابَهُ ، لا ، وَلَكِنْ أَذِّنْ بالرَّحِيلِ " وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها ، فارتحل الناس ، وقد مشى عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه ، فحلف بالله ما قلت ما قال ، ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أُبي في قومه شريفاً عظيماً ، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه من الأنصار : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ، ولم يحفظ ما قال الرجل ، حدباً على عبد الله بن أُبي ، ودفعاً عنه فلما استقلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقيه أسيد بن حضير ، فحياه بتحية النبوّة وسلم عليه ثم قال : يا رسول الله لقد رُحتَ في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو ما بَلَغَكَ ما قالَ صَاحِبُكُمْ ؟ " قال : فأيّ صاحب يا رسول الله ؟ قال : " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبيّ " قال : وما قال ؟ قال : " زَعمَ أنَّهُ إنْ رَجَعَ إلى المَدِينَةِ أخْرَجَ الأعَزُّ مِنْها الأذَل " قال أسيد : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال : يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته مُلكاً . ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يكن إلا أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نياماً ، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أُبي . ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فُويق النقيع ، يقال له نقعاء فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبَّت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوّفوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَخافُوا فإنَّما هَبَّتْ لمَوْتِ عَظِيم مِنْ عُظُماءِ الكُفَّارِ " فلما قَدِموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود ، وكهفاً للمنافقين قد مات ذلك اليوم ، فنزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أُبي ابن سلول ، ومن كان معه على مثل أمره ، فقال : { إذَا جاءَكَ المُنافِقُونَ } فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد فقال : " هَذَا الَّذِي أوْفى اللَّهَ بأُذُنه " وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أُبي الذي كان من أبيه . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلاً ، فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيره فيقتله ، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبي يمشي في الناس فأقتلَه ، فأقتل مؤمناً بكافر ، فأدخلَ النارَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بَلْ نَرْفُقْ بِهِ ونُحسِنْ صُحْبَتَهُ ما بَقِيَ مَعَنا " وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ، ويأخذونه ويعنفونه ويتوعدونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم " كَيْفَ تَرَى يا عُمَرُ أما وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أمَرْتَنِي بقَتْلِهِ لأَرْعَدَتْ لَهُ آنَفٌ ، لَوْ أمَرْتَها اليَوْمَ بقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ " قال : فقال عمر : قد والله علمت لأمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري .