Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-1)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبيّ المحرّم على نفسه ما أحلّ الله له ، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه ، لم تحرّم على نفسك الحلال الذي أحله الله لك ، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك . واختلف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جلّ ثناؤه أحله لرسوله ، فحرّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه ، فقال بعضهم : كان ذلك مارية مملوكته القبطية ، حرّمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طالباً بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته ، لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وفي حجرتها . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثني ابن أبي مريم ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثني زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أمَّ إبراهيم في بيت بعض نسائه قال : فقالت : أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي ؟ ، فجعلها عليه حراماً فقالت : يا رسول الله كيف تحرّم عليك الحلال ؟ ، فحلف لها بالله لا يصيبها ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ } قال : زيد : فقوله أنت عليّ حرام لغو . حدثني يعقوب ، قال : ثني ابن علية ، قال : ثنا داود ابن أبي هند ، عن الشعبيّ ، قال : قال مسروق إن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم جاريته ، وآلى منها ، فجعل الحلال حراماً ، وقال في اليمين : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانِكُمْ } حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : ثنا سفيان ، عن داود ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، قال : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرّم ، فعوتب في التحريم ، وأمر بالكفارة في اليمين . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، قال لها : أنت عليّ حرام ، ووالله لا أطؤك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { يا أيُّها النُّبِيُّ لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلَّ اللَّهَ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ } قال : كان الشعبي يقول : حرّمها عليه ، وحلف لا يقربها ، فعوتب في التحريم ، وجاءت الكفارة في اليمين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعامر الشعبيّ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم جاريته . قال الشعبيّ : حلف بيمين مع التحريم ، فعاتبه الله في التحريم ، وجعل له كفارة اليمين . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ } قال : إنه وَجَدَتِ امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جاريته في بيتها ، فقالت : يا رسول الله أنى كان هذا الأمر ، وكنتُ أهونهنّ عليك ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسْكُتي لا تَذْكُرِي هَذَا لأَحَدٍ ، هِيَ عَليَّ حَرَامٌ إنْ قَرُبْتُها بَعْدَ هَذَا أبَداً " فقالت : يا رسول الله وكيف تحرم عليك ما أحلّ الله لك حين تقول : هي عليّ حرام أبداً ؟ فقال : وَاللَّهِ لا آتيها أبَداً ، فقال الله : { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ } … الآية ، قد غفرت هذا لك ، وقولك { والله قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمٌ الحَكِيمُ } حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ } كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة ، فغشيها ، فبصُرت به حفصة ، وكان اليوم يومَ عائشة ، وكانتا متظاهرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكْتُمي عَليَّ وَلا تَذْكُرِي لِعائِشَةَ ما رأيْتِ " فذكرت حفصة لعائشة ، فغضبت عائشة . فلم تزل بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها أبداً ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يكفر يمينه ، ويأتي جاريته . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عامر ، في قول الله { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ } في جارية أتاها ، فأطلعت عليه حفصة ، فقال : هي عليّ حرام ، فاكتمي ذلك ، ولا تخبري به أحداً فذكرت ذلك . وقال آخرون : بل حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، فجعل الله عزّ وجلّ تحريمه إياها بمنزلة اليمين ، فأوجب فيها من الكفارة مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمَانِكُمْ } أمر الله النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا حرموا شيئاً مما أحلّ الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشر مساكين أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، وليس يدخل ذلك في طلاق . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ } … إلى قوله { وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ } قال : كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذهبت حفصة إلى أبيها ، فتحدثت عنده ، فأرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى جاريته ، فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة ، فرجعت حفصة ، فوجدتهما في بيتها ، فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غيره شديدة ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، ودخلت حفصة فقالت : قد رأيت من كان عندك ، والله لقد سُئْتَنِي ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " واللَّهِ لأُرْضِيَنَّكِ فإنّي مُسِرّ إلَيْكِ سِراً فاحْفَظِيهِ " قالت : ما هو ؟ قال : " إنّي أُشْهِدُكِ أنَّ سُرِّيَّتِي هَذِهِ عَليَّ حَرَامٌ رِضاً لكِ " وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت حفصة إلى عائشة ، فأسرّت إليها أن أبشري إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد حرّم عليه فتاته ، فلما أخبرت بسرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أظهر الله عزّ وجلّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ } … إلى قوله { وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ } حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا هشام الدستوائي ، قال : كتب إليّ يحيى يحدّث عن يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جُبير ، أن ابن عباس كان يقول : في الحرام يمين تكفرها . وقال ابن عباس : { لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } يعني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم جاريته ، فقال الله وجلّ ثناؤه : { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ } … إلى قوله { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمَانِكُمْ } فكفر يمينه ، فصير الحرام يميناً . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا معتمر ، عن أبيه ، قال : أنبأنا أبو عثمان أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل بيت حفصة ، فإذا هي ليست ثَمَّ ، فجاءته فتاته ، وألقى عليها ستراً ، فجاءت حفصة فقعدت على الباب حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ، فقالت : والله لقد سئتني ، جامعتها في بيتي ، أو كما قالت قال : وحرّمها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو كما قال . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ماأحَلَّ اللَّهُ لَكَ } … الآية ، قال : كان حرم فتاته القبطية أمَّ ولده إبراهيم يقال لها مارية في يوم حفصة ، وأسرّ ذلك إليها ، فأطلعت عليه عائشة ، وكانتا تظاهران على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأحلّ الله له ما حرَّم على نفسه ، فأُمر أن يكفر عن يمينه ، وعوتب في ذلك ، فقال : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ } قال قتادة : وكان الحسن يقول حرّمها عليه ، فجعل الله فيها كفارة يمين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّمها يعني جاريته ، فكانت يميناً . حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : من المرأتان ؟ قال : عائشة ، وحفصة . وكان بدء الحديث في شأن أمِّ إبراهيم القبطية ، أصابها النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها ، فوجدته حفصة ، فقالت : يا نبيّ الله لقد جئت إليّ شيئاً ما جئتَ إلى أحد من أزواجك بمثله في يومي وفي دوري ، وعلى فراشي قال : " ألا تَرْضَيْنَ أنْ أُحَرّمَها فَلا أقْرَبَهَا ؟ " قالت : بلى ، فحرّمها ، وقال : " لا تَذْكُرِي ذلكَ لأَحَدٍ " فذكرته لعائشة ، فأظهره الله عزّ وجلّ عليه ، فأنزل الله : { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَجكَ } … الآيات كلها ، فبلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كفر يمينه ، وأصاب جاريته . وقال آخرون : كان ذلك شراباً يشربه ، كان يعجبه ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد ، قال : نزلت هذه الآية في شراب { يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَجكَ } . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو قَطن البغدادي عمرو بن الهيثم ، قال : ثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن عبد الله بن شدّاد مثله . قال : ثنا أبو قطن ، قال : ثنا يزيد بن إبراهيم ، عن ابن أبي مليكة ، قال : نزلت في شراب . والصواب من القول في ذلك أن يقال : كان الذي حرّمه النبيّ صلى الله عليه وسلم على نفسه شيئاً كان الله قد أحله له ، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته ، وجائز أن يكون كان شراباً من الأشربة ، وجائز أن يكون كان غير ذلك ، غير أنه أيّ ذلك كان ، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالاً ، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله ، وبين له تحلَّة يمينه كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه . فإن قائل قائل : وما برهانك على أنه صلى الله عليه وسلم كان حلف مع تحريمه ما حرم ، فقد علمت قول من قال : لم يكن من النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك غير التحريم ، وأن التحريم هو اليمين ؟ قيل : البرهان على ذلك واضح ، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته ، أو لطعام أو شراب ، هذا عليّ حرام يمين ، فإذا كان ذلك غير معقول ، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له : هو عليّ حرام . وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا ، وفسد ما خالفه ، وبعد ، فجائز أن يكون تحريم النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حرّم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره ، أحله له بيمين ، فيكون قوله { لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ } معنا : لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه ، فتحرّمه على نفسك باليمين . وإنما قلنا : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم ذلك ، وحلف مع تحريمه ، كما : حدثني الحسن بن قزعة ، قال : ثنا مسلمة بن علقمة ، عن داود ابن أبي هند ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم ، فأُمِرَ في الإيلاء بكفارة ، وقيل له في التحريم { لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ } . وقوله : { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } يقول تعالى ذكره : والله غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم ، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله الله لك ، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة .