Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-143)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ولـما جاء موسى للوقت الذي وعدنا أن يـلقانا فـيه ، وكلَّـمه ربه وناجاه ، قال موسى لربه : { أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ } قال الله له مـجيبـاً : { لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ } . وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إلـيه ، ما : حدثنـي به موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : إن موسى علـيه السلام لـما كلَّـمه ربه أحبّ أن ينظر إلـيه ، { قالَ رَبِّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِـي } . فحفّ حول الـجبل ، وحفّ حول الـملائكة بنار ، وحفّ حول النار بـملائكة ، وحفّ حول الـملائكة بنار ، ثم تـجلـى ربه للـجبل . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، فـي قوله : { وَقَرَّبْناهُ نَـجِيًّا } قال : ثنـي من لقـي أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ سبحانه وتعالى حتـى سمع صريف القلـم ، فقال عند ذلك من الشوق إلـيه : { رَبّ أرِنِـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَنِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنـي الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر الهذلـيّ ، قال : لـما تـخـلف موسى علـيه السلام بعد الثلاثـين ، حتـى سمع كلام الله اشتاق إلـى النظر إلـيه ، فقال : { رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي } ولـيس لبشر أن يطيق أن ينظر إلـيّ فـي الدنـيا ، من نظر إلـيّ مات . قال : إلهي سمعت منطقك واشتقت إلـى النظر إلـيك ، ولأن أنظر إلـيك ثم أموت أحبّ إلـيّ من أن أعيش ولا أراك قال : فـانظر إلـى الـجبل ، فإن استقرّ مكانه فسوف ترانـي . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قال : أعطنـي . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : استـخـلف موسى هارون علـى بنـي إسرائيـل ، وقال : إنـي متعجل إلـى ربـي ، فـاخـلفنـي فـي قومي ، ولا تتبع سبـيـل الـمفسدين فخرج موسى إلـى ربه متعجلاً للقـيّه شوقاً إلـيه ، وأقام هارون فـي بنـي إسرائيـل ، ومعه السامريّ يسير بهم علـى أثر موسى لـيـلـحقهم به . فلـما كلـم الله موسى ، طمع فـي رؤيته ، فسأل ربه أن ينظر إلـيه ، فقال الله لـموسى : { إنَّكَ لَنْ تَرَانِـي ولكن انْظر إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِـي … } الآية : قال ابن إسحاق : فهذا ما وصل إلـينا فـي كتاب الله عن خبر موسى لـما طلب النظر إلـى ربه . وأهل الكتاب يزعمون وأهل التوراة ، أن قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثـيرة ومراجعة لـم تأتنا فـي كتاب الله ، والله أعلـم . قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلـم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب : إنهم يجدون فـي تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلـى ربه أنه كان من كلامه إياه حين طمع فـي رؤيته ، وطلب ذلك منه ، وردّ علـيه ربه منه ما ردّ ، أن موسى كان تطهَّر وطهَّر ثـيابه وصام للقاء ربه فلـما أتـى طور سينا ، ودنا الله له فـي الغمام فكلـمه ، سبحه وحمده وكبره وقدّسه ، مع تضرّع وبكاء حزين ، ثم أخذ فـي مدحته ، فقال : ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله ، من عظمتك أنه لـم يكن شيء من قبلك ، فأنت الواحد القهار ، كان عرشك تـحت عظمتك نار توقد لك ، وجعلت سرادق من دونه سرادق من نور ، فما أعظمك ربّ ، وأعظم ملكك ، جعلت بـينك وبـين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام ، فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك فـي سلطانك ، فإذا أردت شيئا تقضيه فـي جنودك الذين فـي السماء ، أو الذين فـي الأرض ، وجنودك الذين فـي البحر ، بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خـلقك إلاَّ أنت إن شئت ، فدخـلت فـي جوف من شئت من أنبـيائك ، فبلغوا لـما أردت من عبـادك ، ولـيس أحد من ملائكتك يستطيع شيئاً من عظمتك ، ولا من عرشك ، ولا يسمع صوتك ، فقد أنعمت علـيّ ، وأعظمت علـيّ فـي الفضل ، وأحسنت إلـيّ كلّ الإحسان ، عظمتنـي فـي أمـم الأرض ، وعظمتنـي عند ملائكتك ، وأسمعتنـي صوتك ، وبذلت لـي كلامك ، وآتـيتنـي حكمتك ، فإن أعدّ نعماك لا أحصيها ، وإن أردت شكرك لا أستطيعها . دعوتك ربّ علـى فرعون بـالآيات العظام ، والعقوبة الشديدة ، فضربت بعصاي التـي فـي يدي البحر ، فـانفلق لـي ولـمن معي ، ودعوتك حين جزت البحر ، فأغرقت عدوّك وعدوّي ، وسألتك الـماء لـي ولأمتـي ، فضربت بعصاي التـي فـي يدي الـحجر ، فمنه أرويتنـي وأمتـي ، وسألتك لأمتـي طعاماً لـم يأكله أحد كان قبلهم ، فأمرتنـي أن أدعوك من قِبَل الـمشرق ، ومن قِبَل الـمغرب . فناديتك من شرقـي أمتـي ، فأعطيتهم الـمنّ من مشرقـي لنفسي ، وآتـيتهم السلوى من غربـيهم من قِبَل البحر ، واشتكيت الـحرّ فناديتك ، فظللت علـيهم بـالغمام ، فما أطيق نعماك علـيّ أن أعدّها ولا أحصيها ، وإن أردت شكرها لا أستطيعها . فجئتك الـيوم راغبـاً طالبـاً سائلاً متضرّعاً ، لتعطينـي ما منعت غيري ، أطلب إلـيك وأسألك يا ذا العظمة والعزّة والسلطان أن ترينـي أنظر إلـيك ، فإنـي قد أحببت أن أرى وجهك الذي لـم يره شيء من خـلقك . قال له ربّ العزّة : فلا ترى يا ابن عمران ما تقول ؟ تكلـمت بكلام هو أعظم من سائر الـخـلق ، لا يرانـي أحد فـيحيا ، ألـيس فـي السموات معمري ، فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتـي ، ولـيس فـي الأرض معمري ، فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي ، فلست فـي مكان واحد فأتـجلـى لعين تنظر إلـيّ . قال موسى : يا ربّ أن أراك وأموت ، أحبّ إلـيّ من أن لا أراك ولا أحيا ، قال له ربّ العزّة : يا ابن عمران تكلَّـمت بكلام هو أعظم من سائر الـخـلق ، لا يرانـي أحد فـيحيا . قال : ربّ تـمـم علـيّ نعماك ، وتـمـم علـيّ فضلك ، وتـمـم علـيّ إحسانك هذا الذي سألتك لـيس لـي أن أراك فأقبض ، ولكن أحبّ أن أراك فـيطمئن قلبـي . قال له : يا ابن عمران لن يرانـي أحد فـيحيا . قال : موسى ربّ تـمـم علـيّ نعماك وفضلك ، وتـمـم علـيّ إحسانك هذا الذي سألتك لـيس لـي أن أراك فأموت علـى أثر ذلك أحبّ إلـيّ من الـحياة ، فقال الرحمن الـمترحم علـى خـلقه : قد طلبت يا موسى ، وأعطيتك سؤلك إن استطعت أن تنظر إلـيّ ، فـاذهب فـاتـخذ لوحين ، ثم انظر إلـى الـحجر الأكبر فـي رأس الـجبل ، فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلاَّ مـجلسك يا ابن عمران ، ثم انظر فإنـي أهبط إلـيك وجنودي من قلـيـل وكثـير . ففعل موسى كما أمره ربه ، نـحت لوحين ثم صعد بهما إلـى الـجبل ، فجلس علـى الـحجر : فلـما استوى علـيه ، أمر الله جنوده الذين فـي السماء الدنـيا ، فقال : ضعي أكنافك حول الـجبل ، فسمعت ما قال الربّ ففعلت أمره ، ثم أرسل الله الصواعق والظلـمة والضبـاب علـى ما كان يـلـي الـجبل الذي يـلـي موسى أربعة فراسخ من كل ناحية ، ثم أمر الله ملائكة الدنـيا أن يـمرّوا بـموسى ، فـاعترضوا علـيه ، فمروا به طيران النعَر تنبع أفواههم بـالتقديس والتسبـيح بأصوات عظيـمة كصوت الرعد الشديد ، فقال موسى بن عمران علـيه السلام : ربّ إنـي كنت عن هذا غنـيا ، ما ترى عيناي شيئاً قد ذهب بصرهما من شعاع النور الـمتصفف علـى ملائكة ربـي . ثم أمر الله تعالى ملائكة السماء الثانـية أن اهبطوا علـى موسى ، فـاعترضوا علـيه ، فهبطوا أمثال الأسْد ، لهم لَـجَبٌ بـالتسبـيح والتقديس ، ففزع العبد الضعيف ابن عمران مـما رأى ومـما سمع ، فـاقشعرّت كلّ شعرة فـي رأسه وجلده ، ثم قال : ندمت علـى مسئلتـي إياك ، فهل ينـجينـي من مكانـي الذي أنا فـيه شيء ؟ فقال له خير الـملائكة ورأسهم : يا موسى اصبر لـما سألت ، فقلـيـل من كثـير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا علـى موسى ، فـاعترضوا علـيه ، فأقبلوا أمثال النسور لهم قصْف ورجف ولـجب شديد ، وأفواههم تنبع بـالتسبـيح والتقديس كلـجب الـجيش العظيـم أو كلهب النار ، ففزع موسى عليه الصلاة والسلام ، وأيست نفسه ، وأساء ظنه ، وأيس من الـحياة ، فقال له خير الـملائكة ورأسهم : مكانك يا ابن عمران ، حتـى ترى ما لا تصبر علـيه ؟ ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا فـاعترِضوا علـى موسى بن عمران . فأقبلوا وهبطوا علـيه لا يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم ، ألوانهم كلهب النار ، وسائر خـلقهم كالثلـج الأبـيض ، أصواتهم عالـية بـالتسبـيح والتقديس ، لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرّوا به قبلهم . فـاصطكت ركبتاه ، وأرعد قلبه ، واشتدّ بكاؤه ، فقال خير الـملائكة ورأسهم : يا ابن عمران اصبر لـما سألت ، فقلـيـل من كثـير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الـخامسة أن اهبطوا فـاعترِضوا علـى موسى ، فهبطوا علـيه سبعة ألوان ، فلـم يستطع موسى أن يتبعهم طرفه ، ولـم ير مثلهم ولـم يسمع مثل أصواتهم ، وامتلأ جوفه خوفـاً ، واشتدّ حزنه ، وكثر بكاؤه ، فقال له خير الـملائكة ورأسهم : يا ابن عمران مكانك حتـى ترى ما لا تصبر علـيه ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا علـى عبدي الذي طلب أن يرانـي موسى ابن عمران واعترِضوا علـيه . فهبطوا علـيه فـي يد كلّ ملك مثل النـخـلة الطويـلة ناراً أشدّ ضوءاً من الشمس ، ولبـاسهم كلهب النار ، إذا سبحوا وقدّسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات كلهم ، يقولون بشدة أصواتهم : سبوح قدّوس ربّ العزّة أبداً لا يـموت ، فـي رأس كلّ ملك منهم أربعة أوجه . فلـما رآهم موسى رفع صوته يسبِّح معهم حين سبحوا ، وهو يبكي ويقول : ربّ اذكرنـي ، ولا تنس عبدك لا أدري أنقلب مـما أنا فـيه أم لا ؟ إن خرجت أحرقت ، وإن مكثت متّ . فقال له كبـير الـملائكة ورئيسهم : قد أوشكت يا ابن عمران أن يـمتلـىء جوفك ، وينـخـلع قلبك ، ويشتدّ بكاؤك فـاصبر للذي جلست لتنظر إلـيه يا ابن عمران وكان جبل موسى جبلاً عظيـماً ، فأمر الله أن يحمل عرشه ، ثم قال : مرّوا بـي علـى عبدي لـيرانـي ، فقلـيـل من كثـير ما رأى فـانفرج الـجبل من عظمة الربّ ، وغشي ضوء عرش الرحمن جبل موسى ، ورفعت ملائكة السموات أصواتها جميعاً ، فـارتـجّ الـجبل فـاندكّ ، وكلّ شجرة كانت فـيه ، وخرّ العبد الضعيف موسى بن عمران صعقا علـى وجهه لـيس معه روحه ، فأرسل الله الـحياة برحمته ، فتغشاه برحمته وقلب الـحجر الذي كان علـيه وجعله كالـمعدة ، كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ، فأقامه الروح مثل الأم أقامت جنـينها حين يصرع ، قال : فقام موسى يسبح الله ويقول : آمنت أنك ربـي ، وصدّقت أنه لا يراك أحد فـيحيا ، ومن نظر إلـى ملائكتك انـخـلع قلبه ، فما أعظمك ربّ وأعظم ملائكتك ، أنت ربّ الأربـاب وإله الآلهة وملك الـملوك ، تأمر الـجنود الذين عندك فـيطيعونك ، وتأمر السماء وما فـيها فتطيعك ، لا تستنكف من ذلك ، ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء ، ربّ تبت إلـيك ، الـحمد لله الذي لا شريك له ، ما أعظمك وأجلك ربّ العالـمين القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبَّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مِوسَى صَعِقاً } . يقول تعالـى ذكره : فما اطلع الربّ للـجبل جعل الله الـجبل دكًّا : أي مستوياً بـالأرض . { وخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } أي مغشيًّا علـيه . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـحسين بن مـحمد بن عمرو العنقزي ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، فـي قول الله : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال : ما تـجلـى منه إلا قدر الـخنصر . { جَعَلَهُ دَكًّا } قال : ترابـاً . { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } قال : مغشيًّا علـيه . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، قال : زعم السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس أنه قال : تـجلـى منه مثل الـخنصر ، فجعل الـجبل دكًّا ، وخرّ موسى صعقاً ، فلـم يزل صعقاً ما شاء الله . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } قال : مغشيًّا علـيه . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال : انقعر بعضه علـى بعض . { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } : أي ميتاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } : أي ميتاً . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { دَكًّا } قال : دكّ بَعْضُه بعضاً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، قال : سمعت سفـيان يقول فـي قوله : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال : ساخ الـجبل فـي الأرض حتـى وقع فـي البحر ، فهو يذهب معه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، عن الـحجاج ، عن أبـي بكر الهذلـيّ : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } : انقعر فدخـل تـحت الأرض فلا يظهر إلـى يوم القـيامة . حدثنا أحمد بن سهيـل الواسطي ، قال : ثنا قرة بن عيسى ، قال : ثنا الأعمش ، عن رجل ، عن أنس عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : " لَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ أشارَ بأُصْبُعَيْهِ فَجَعَلَهُ دَكًّا " وأرانا أبو إسماعيـل بأصبعه السبَّـابة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنـي الـحجاج بن الـمنهال ، قال : ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال : « هكذا » بأصبعه ووضع النبـيّ صلى الله عليه وسلم الإبهام علـى الـمفصل الأعلـى من الـخنصر ، « فسَاخَ الـجَبَلُ » . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا هدبة بن خالد ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال : وضع الإبهام قريبـاً من طرف خنصره ، قال : « فَساخَ الـجَبَلُ » فقال حميد لثابت : تقول هذا ؟ قال : فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا أكتـمه حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } وذلك أن الـجبل حين كشف الغطاء ورأى النور صار مثل دك من الدكات . حدثنا الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد ، عن مـجاهد : { وَلـمَّا جاءَ مُوسَى لِـميقاتِنا وكَلَّـمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَكانَهُ } فإنه أكبر منك وأشد خـلقاً . { فَلَـمَّا تَـجَلَّـى رَبُّهُ للْـجَبَلِ } فنظر إلـى الـجبل لا يتـمالك ، وأقبل الـجبل يندّك علـى أوّله فلـما رأى موسى ما يصنع الـجبل خرّ صعقاً . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { دَكًّا } . فقرأته عامَّة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة : { دَكًّا } مقصوراً بـالتنوين ، بـمعنى : دك الله الـجبل دكًّا أي فَتَّتَه ، واعتبـارا بقول الله : { كَلاَّ إذَا دُكِّتِ الأرْضِ دَكًّا دَكًّا } ، وقوله : { وحُمِلَتِ الأرْضُ والـجِبـالُ فَدُكَّتا دَكَّةً وَاحِدَةً } واستشهد بعضهم علـى ذلك بقول حميد : @ يَدُكُّ أرْكانَ الـجِبـالِ هَزَمُهْ تَـخْطِرُ بـالبِـيضِ الرّقاقُ بُهَمُهْ @@ وقرأته عامَّة قرّاء الكوفـيـين : « جَعَلَهُ دَكَّاءَ » بـالـمدّ وترك الـجرّ والتنوين ، مثل حمراء وسوداء . وكان مـمن يقرؤه كذلك عكرمة ، ويقول فـيه ما : حدثنـي به أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا عبـاد بن عبـاد ، عن يزيد بن حازم ، عن عكرمة ، قال : دكّاء من الدكّاوات . وقال : لـما نظر الله تبـارك وتعالـى إلـى الـجبل صار صخره ترابـا . واختلف أهل العربـية فـي معناه إذا قرىء كذلك . فقال بعض نـحويـي البصرة : العرب تقول : ناقة دكاء : لـيس لها سنام ، وقال : الـجبل مذكر ، فلا يشبه أن يكون منه إلا أن يكون جعله مثل دكاء حذف مثل وأجراه مـجرى : { واسألِ القَرْيَةِ } . وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول : معنى ذلك : جعل الـجبل أرضا دكّاء ، ثم حذفت الأرض وأقـيـمت الدكاء مقامها إذ أدّت عنها . وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأ : « جعله دكاء » بـالـمدّ ، وترك الـجرّ لدلالة الـخبر الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى صحته وذلك أنه رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « فَساخَ الـجَبَلُ » ولـم يقل : فتفتَّت ، ولا تـحوّل ترابـاً . ولا شكّ أنه إذا ساخ فذهب ظهر وجه الأرض ، فصار بـمنزلة الناقة التـي قد ذهب سنامها ، وصارت دكاء بلا سنام . وأما إذا دكّ بعضه فإنـما يكسر بعضه بعضاً ويتفتَّت ولا يسوخ . وأما الدكاء فإنها خَـلَفٌ من الأرض ، فلذلك أُنثت علـى ما قد بـينت . فمعنى الكلام إذن : فلـما تـجلـى ربه للـجبل ساخ ، فجعل مكانه أرضاً دكاء . وقد بـيَّنا معنى الصعِق بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَلَـمَّا أفـاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } . يقول تعالـى ذكره : فلـما ثاب إلـى موسى علـيه السلام فهمه من غشيته ، وذلك هو الإفـاقة من الصعقة التـي خرّ لها موسى صلى الله عليه وسلم ، قال : { سُبْحانَكَ } تنزيها لك يا ربّ وتبرئة أن يراك أحد فـي الدنـيا ثم يعيش . { تُبْتُ إلَـيْكَ } من مسألتـي إياك ما سألتك من الرؤية . { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } بك من قومي أن لا يراك فـي الدنـيا أحد إلا هلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، عن أبـي جعفر الرازي ، عن الربـيع بن أنس ، عن أبـي العالـية ، فـي قوله : { تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } قال : كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول : أنا أوّل من آمن بأنه لا يراك أحد من خـلقك إلـى يوم القـيامة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : لـما رأى موسى ذلك وأفـاق ، عرف أنه قد سأل أمراً لا ينبغي له ، فقال : { سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } قال أبو العالـية : عنى أنى أوّل من آمن بك أنه لن يراك أحد قبل يوم القـيامة . حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم ، قال : ثنا إبراهيـم بن بشار ، قال : قال سفـيان : قال أبو سعد ، عن عكرمة عن ابن عبـاس : { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } فمرّت به الـملائكة وقد صعق ، فقالت : يا ابن النساء الـحيض لقد سألت ربك أمراً عظيـماً . فلـما أفـاق قال : سبحانك لا إله إلا أنت ، تبت إلـيك ، وأنا أوّل الـمؤمنـين قال : أنا أوّل من آمن أنه لا يراك أحد من خـلقك ، يعنـي فـي الدنـيا . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } يقول : أنا أوّل من يؤمن أنه لا يراك شيء من خـلقك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن رجل ، عن مـجاهد : { سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ } قال : من مسألتـي الرؤية . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد ، عن مـجاهد : { قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ } أن أسألك الرؤية . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو نعيـم ، عن سفـيان ، عن عيسى بن ميـمون ، عن رجل ، عن مـجاهد : { سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ } أن أسألك الرؤية . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيـينة ، عن عيسى بن ميـمون ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ } قال : تبت إلـيك من أن أسألك الرؤية . وقال آخرون : معناه قوله : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } بك من بنـي إسرائيـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـحسين بن عمرو بن مـحمد العنقزي ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } قال : أوّل من آمن بك من بنـي إسرائيـل . حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } يعنـي : أوّل الـمؤمنـين من بنـي إسرائيـل . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } أنا أوّل قومي إيـماناً . حدثنا ابن وكيع والـمثنى ، قالا : ثنا أبو نعيـم ، عن سفـيان ، عن عيسى بن ميـمون ، عن رجل ، عن مـجاهد : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } يقول : أوّل قومي إيـماناً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } قال : أنا أوّل قومي إيـماناً . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد ، قال : سمعت مـجاهداً يقول فـي قوله : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } قال : أوّل قومي آمن . وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي قوله : { وأنا أوَّلُ الـمُؤْمِنِـينَ } علـى قول من قال : معناه : أنا أوّل الـمؤمنـين من بنـي إسرائيـل لأنه قد كان قبله فـي بنـي إسرائيـل مؤمنون وأنبـياء ، منهم ولد إسرائيـل لصلبه ، وكانوا مؤمنـين وأنبـياء ، فلذلك اخترنا القول الذي قلناه قبل .