Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 179-179)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ولقد خـلقنا لـجهنـم كثـيراً من الـجنّ والإنس ، يقال منه : ذرأ الله خـلقه يذرؤهم ذَرْءاً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك . حدثنـي علـيّ بن الـحسين الأزديّ ، قال : ثنا يحيى بن يـمان ، عن مبـارك بن فضالة ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنَّـمَ كَثِـيراً مِنَ الـجِنّ والإنْسِ } قال : مـما خـلقنا . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، عن مبـارك ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنَّـمَ } قال : خـلقنا . قال : ثنا زكريا ، عن عَتَّاب بن بشير ، عن علـيِّ بن بِذَيـمة ، عن سعيد بن جبـير ، قال : أولاد الزنا مـما ذرأ الله لـجهنـم . قال : ثنا زكريا بن عديّ وعثمان الأحول ، عن مروان بن معاوية ، عن الـحسن بن عمرو ، عن معاوية ابن إسحاق ، عن جلـيس له بـالطائف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : " إنَّ اللّهَ لَـمَّا ذَرَأَ لـجَهَنَّـمَ ما ذَرَأ ، كانَ وَلَدُ الزّنا مِـمَّنْ ذَرَأ لـجَهَنَّـمَ " حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنَّـمَ } يقول : خـلقنا . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد ، قال : سمعت مـجاهداً يقول فـي قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنَّـمَ } قال : لقد خـلقنا لـجهنـم كثـيراً من الـجنّ والإنس . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنَّـمَ } خـلقنا . وقال جلّ ثناؤه : { وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنَّـمَ كَثِـيراً مِنَ الـجِنّ والإنْس } لنفـاذ علـمه فـيهم بأنهم يصيرون إلـيها بكفرهم بربهم . وأما قوله : { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ } بها فإن معناه : لهؤلاء الذين ذرأهم الله لـجهنـم من خـلقه قلوب لا يتفكرون بها فـي آيات الله ، ولا يتدبرون بها أدلته علـى وحدانـيته ، ولا يعتبرون بها حججه لرسله ، فـيعلـموا توحيد ربهم ، ويعرفوا حقـيقة نبوّة أنبـيائهم . فوصفهم ربنا جلّ ثناؤه بأنهم لا يفقهون بها لإعراضهم عن الـحقّ وتركهم تدبر صحة الرشد وبطول الكفر . وكذلك قوله : { ولَهُمْ أعيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بها } معناه : ولهم أعين لا ينظرون بها إلـى آيات الله وأدلته ، فـيتأملوها ويتفكروا فـيها ، فـيعلـموا بها صحة ما تدعوهم إلـيه رسلهم ، وفساد ما هم علـيه مقـيـمون من الشرك بـالله وتكذيب رسله فوصفهم الله بتركهم إعمالها فـي الـحق بأنهم لا يبصرون بها . وكذلك قوله : { ولَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بها } آيات كتاب الله فـيعتبروها ويتفكروا فـيها ، ولكنهم يعرضون عنها ، ويقولون : { لا تَسْمَعُوا لهذا القُرْآنِ والْغوا فِـيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } وذلك نظير وصف الله إياهم فـي موضع آخر بقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقلُونَ } والعرب تقول ذلك للتارك استعمال بعض جوارحه فـيـما يصلـح له ، ومنه قول مسكين الدارمي : @ أعْمَى إذَا ما جارَتـي خَرَجَت حتـى يُوَاريَ جارَتـي السِّتْرُ وأصَمُّ عَمَّا كانَ بَـيْنَهُما سَمْعي وَما بـالسَّمْع مِنْ وَقْرِ @@ فوصف نفسه لتركه النظر والاستـماع بـالعمى والصمـم . ومنه قول الآخر : @ وَعَوْرَاءِ اللِّئامِ صَمَـمْتُ عَنْها وإنّـي لَوْ أشاءُ بِها سَمِيعُ وبَـادِرَةٍ وَزَعْتُ النَّفْسَ عَنْها وَلَوْ بِـينَتْ مِنَ العَصَبِ الضُّلوعُ @@ وذلك كثـير فـي كلام العرب وأشعارها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد ، قال : سمعت مـجاهداً يقول فـي قوله : { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها } قال : لا يفقهون بها شيئاً من أمر الآخرة . { ولَهُمْ أعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها } الهدى . { ولَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الـحَقّ } ثم جعلهم كالأنعام ، ثم جعلهم شرًّا من الأنعام ، فقال : { بَلْ هُمْ أضَلُّ } ثم أخبر أنهم هم الغافلون . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { أولَئِكَ كالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أولئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { أُولَئِكَ كالأنْعامِ } هؤلاء الذين ذرأهم لـجهنـم هم كالأنعام ، وهي البهائم التـي لا تفقه ما يقال لها ولا تفهم ما أبصرته مـما يصلـح وما لا يصلـح ولا تعقل بقلوبها الـخير من الشرّ فتـميز بـينهما ، فشبههم الله بها ، إذ كانوا لا يتذكرون ما يرون بأبصارهم من حججه ، ولا يتفكرون فـيـما يسمعون من آي كتابه . ثم قال : { بَلْ هُمْ أضَلُّ } يقول : هؤلاء الكفرة الذين ذرأهم لـجهنـم أشدّ ذهابـا عن الـحقّ وألزم لطريق البـاطل من البهائم ، لأن البهائم لا اختـيار لها ولا تـميـيز فتـختار وتـميِّز ، وإنـما هي مسخرة ومع ذلك تهرب من الـمضارّ وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلـح . والذين وصف الله صفتهم فـي هذه الآية ، مع ما أُعطوا من الأفهام والعقول الـمـميزة بـين الـمصالـح والـمضارّ ، تترك ما فـيه صلاح دنـياها وآخرتها وتطلب ما فـيه مضارّها ، فـالبهائم منها أسد وهي منها أضلّ ، كما وصفها به ربنا جلّ ثناؤه . وقوله : { أُولَئِكَ هُمُ الغافِلُونَ } يقول تعالـى ذكره : هؤلاء الذين وصفت صفتهم ، القوم الذين غفلوا ، يعنـي سهواً عن آياتـي وحججي ، وتركوا تدبرها والاعتبـار بها والاستدلال علـى ما دلت علـيه من توحيد ربها ، لا البهائم التـي قد عرَّفها ربها ما سخرها له .