Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 43-43)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم وأخبر أنهم أصحاب الجنة ، ما فيها من حقد وغل وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض ، فجعلهم في الجنة إذْ أدخلَهموها على سرر متقابلين ، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خصّ الله به بعضهم وفضله من كرامته عليه ، تجري من تحتهم أنهار الجنة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ } قال : العداوة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة : { وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورهِمْ مِنْ غِلّ } قال : هي الإحِنُ . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، عن إسرائيل أبي موسى ، عن الحسن ، عن عليّ ، قال : فينا والله أهل بدر نزلت : { وَنَزَعْنا ما فِي صُدورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَاناً على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ } حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسرائيل ، قال : سمعته يقول : قال عليّ عليه السلام : فينا والله أهل بدر نزلت : { وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَاناً على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ } حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال عليّ رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : { وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ } رضوان الله عليهم . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَنَزَعْنا ما فِي صُدورِهِمْ مِنْ غِلّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنهَارُ } قال : إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة ، فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فشربوا من إحداهما ، فينزع ما في صدورهم من غلّ ، فهو الشراب الطهور . واغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبداً . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، قال : يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يُقْضَى لبعضهم من بعض ، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحداً بقلامة ظفر ظلَمها إياه ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض ، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحداً بقلامة ظفر ظلمها إياه . القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالوُا الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانا لِهَذَا وَما كُنَّا لنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ } . يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات حين أدخلوا الجنة ، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته ، وما صُرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم وتكذيبهم رسله : { الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانا لِهَذَا } يقول : الحمد لله الذي وفَّقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله وصرف عذابه عنا . { وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ } يقول : وما كنا لنرشد لذلك لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنه وطَوْله . كما : حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، قال : ثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ أهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ لَوْ هَدَانا اللّهُ ، فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً . وكُلُّ أهْلِ الجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ ، فَيَقُولُونَ لَولا أنْ هَدَانا اللّهُ . فَهَذَا شُكْرُهُمْ " . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق يحدّث عن عاصم بن ضمرة ، عن عليّ ، قال : ذكر عمر لشيء لا أحفظه ، ثم ذكر الجنة ، فقال : يدخلون فإذا شجرة يخرج من تَحْت ساقها عينان ، قال : فيغتسلون من إحداهما ، فتجري عليهم نضرة النعيم ، فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبر أبشارهم ، ويشربون من الأخرى ، فيخرج كلّ قذى وقذر ، أو شيء في بطونهم . قال : ثم يفتح لهم باب الجنة ، فيقال لهم : { سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ } قال : فتستقبلهم الوِلدان ، فيحُفُّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته . ثم يأتون فيبشرون أزواجهم ، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فيقلن : أنت رأيته ؟ قال : فيستخفهنّ الفرح ، قال : فيجئن حتى يقفن على أسكفّة الباب . قال : فيجيئون فيدخلون ، فإذا أُسّ بيوتهم بجندل اللؤلؤ ، وإذا صروح صفر وخضر وحمر ومن كلّ لون ، وسرر مرفوعة ، وأكواب موضوعة ، ونمارق مصفوفة ، وزرابيّ مبثوثة ، فلولا أن الله قدرها لالتُمعت أبصارهم مما يرون فيها . فيعانقون الأزواج ، ويقعدون على السرر ، ويقولون : { الحَمْدُ لِلّه الَّذِي هَدَانا لِهَذَا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بالحَقّ … } الآية . القول في تأويل قوله تعالى : { لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بالحَقّ وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُموها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . يقول تعالى ذكره مخبراً عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها ، وهو أن أعداء الله في النار : والله لقد جاءتنا في الدنيا وهؤلاء الذين في النار رسل ربنا بالحقّ من الأخبار ، عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله ووعيده أهل معاصيه والكفر به . وأما قوله : { وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فإن معناه : ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته ، أنْ يا هؤلاء هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها ، أورثكموها الله عن الذين كذّبوا رسله ، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم . وذلك هو معنى قوله : { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قال : ليس من كافر ولا مؤمن إلاَّ وله في الجنة والنار منزل . فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، ودخلوا منازلهم ، رُفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ، ثم يقال : يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنة منازلهم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمر بن سعد أبو داود الحفري ، عن سعيد بن بكر ، عن سفيان الثوريّ ، عن أبي إسحاق ، عن الأغرّ : { وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قال : نودوا أن صحّوا فلا تسقموا واخلدوا فلا تموتوا وانعموا فلا تبأسوا حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الأغرّ ، عن أبي سعيد : { وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ … } الآية ، قال : ينادي مناد : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً . واختلف أهل العربية في « أن » التي مع « تلكم » ، فقال بعض نحويي البصرة : هي « أنّ » الثقيلة خففت ، وأضمر فيها ، ولا يستقيم أن نجعلها الخفيفة لأن بعدها اسماً ، والخفيفة لا تليها الأسماء ، وقد قال الشاعر : @ فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد قدْ عَلِمُوا أنْ هالكٌ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ @@ وقال آخر : @ أُكاشِرُهُ وأعْلَمُ أنْ كِلانا عَلى ما ساءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ @@ قال : فمعناه : أنه كلانا قال ، ويكون كقوله : { أنْ قَدْ وَجَدْنا } في موضع « أي » ، وقوله : أنْ أقِيمُوا . وَلا تَكُونُ « أن » التي تعمل في الأفعال ، لأنك تقول : غاظني أن قام ، وأن ذهب ، فتقع على الأفعال وإن كانت لا تعمل فيها ، وفي كتاب الله : { وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا } أي امشوا . وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة ، فقال : غير جائز أن يكون مع « أن » في هذا الموضع « هاء » مضمرة ، لأن « أن » دخلت في الكلام لتقي ما بعدها ، قال : و « أن » هذه التي مع « تلكم » ، هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية ، وليس بلفظ الحكاية ، نحو : ناديت أنك قائم ، وأن زيد قائم ، وأن قمت ، فتلي كلّ الكلام ، وجعلت « أن » وقاية ، لأن النداء يقع على ما بعده ، وسلم ما بعد « أن » كما سلم ما بعد القول ، ألا ترى أنك تقول : قلت : زيد قائم ، وقلت : قام ، فتليها ما شئت من الكلام ؟ فلما كان النداء بمعنى الظنّ وما أشبهه من القول سلم « ما » بعد « أن » ، ودخلت « أن » وقاية . قال : وأما « أي » فإنها لا تكون على أن لا يكون : أي جواب الكلام ، وأن تكفي من الاسم .