Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : حذّر هؤلاء العابدين غيري والعادلين بي الآلهة والأوثان سخطي ، لأَحلّ بهم عقوبتي فأهلكهم كما أهلكتُ من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم ، فكثيراً ما أهلكت قبلهم من أهل قرًى عصوني وكذّبوا رسلي وعبدوا غيري . { فجاءَها بأْسُنا بَياتاً } يقول : فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلاً قبل أن يصبحوا ، أوجاءتهم قائلين ، يعني نهاراً في وقت القائلة . وقيل : « وكم » لأن المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المثلاث بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه ، وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد ، كما قال الفرزدق : @ كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وخالَةٍ فَدْعاءَ قدْ حَلَبَتْ عَليَّ عِشارِي @@ فإن قال قائل : فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه أهلك قرى ، فما في خبره عن إهلاكه القرى من الدليل على إهلاكه أهلها ؟ قيل : إن القرى لا تسمى قرى ولا القرية قرية إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم ، ففي إهلاكها من فيها من أهلها . وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن القرية ، والمراد به أهلها . والذي قلنا في ذلك أولى بالحقّ لموافقته ظاهر التنزيل المتلوّ . فإن قال قائل : وكيف قيل : { وكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها فَجاءَها بأْسُنا بَيَاتاً أوْ هُمْ قائِلُونَ } وهل هلكت قرية إلا بمجيء بأس الله وحلول نقمته وسخطه بها ؟ فكيف قيل « أهلكناها فجاءها » وإن كان مجيء بأس الله إياها بعد هلاكها ؟ فما وجه مجيء ذلك قوماً قد هلكوا وبادوا ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم ؟ قيل : إن لذلك من التأويل وجهين كلاهما صحيح واضح منهجه : أحدهما أن يكون معناه : وكم من قرية أهلكناها بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى واختيارها اتباع أمر أوليائها ، المُغويها عن طاعة ربها ، فجاءها بأسنا إذ فعلت ذلك بياتاً ، أو هم قائلون . فيكون إهلاك الله إياها : خذلانه لها عن طاعته ، ويكون مجيء بأس الله إياهم جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم . والآخر منهما : أن يكون الإهلاك هو البأس بعينه . فيكون في ذكر الإهلاك الدلالة على ذكر مجيء البأس ، وفي ذكر مجيء البأس الدلالة على ذكر الإهلاك . وإذا كان ذلك كذلك ، كان سواء عند العرب بُدىء بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس ، أو بديء بالبأس ثم عطف عليه بالإهلاك ، وذلك كقولهم : زرتني فأكرمتني إذّ كانت الزيارة هي الكرامة ، فسواء عندهم قدّم الزيارة وأخَّر الكرامة ، أو قدّم الكرامة وأخَّر الزيارة فقال : أكرمتني فزرتني . وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفاً ، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحاً ، وأن معنى ذلك : وكم من قرية أهلكناها ، فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا . وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل ولا من خبر يجب التسليم له ، وإذا خلا القول من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجب التسليم لها كان بيِّناً فساده . وقال آخر منهم أيضاً : معنى الفاء في هذا الموضع معنى الواو ، وقال : تأويل الكلام : وكم من قرية أهلكناها وجاءها بأسنا بياتاً . وهذا قول لا معنى له ، إذ كان للفاء عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام ، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم ما وجد إلى ذلك سبيل أولى من صرفها إلى غيره . فإن قال : كيف قيل : { فجاءَها بأْسُنا بَياتاً أوْ هُمْ قائِلُون } ، وقد علمت أن الأغلب من شأن « أو » في الكلام اجتلاب الشكّ ، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك ؟ قيل : إن تأويل ذلك خلاف ما إليه ذهبتَ ، وإنما معنى الكلام : وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتاً ، وبعضها وهم قائلون . ولو جعل مكان « أو » في هذا الموضع الواو لكان الكلام كالمحال ، ولصار الأغلب من معنى الكلام : إن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتاً ، وفي وقت القائلة وذلك خبر عن البأس أنه أهلك من قد هلك وأفنى من قد فني ، وذلك من الكلام خُلْف ولكن الصحيح من الكلام هو ما جاء به التزيل ، إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتاً من القرى التي جاءها ذلك قائلة ، ولو فصلت لم يخبر عنها إلا بالواو . وقيل : « فجاءها بأسُنا » خبراً عن القرية أن البأس أتاها ، وأجرى الكلام على ما ابتدىء به في أوّل الآية ولو قيل : فجاءهم بأسنا بياتاً لكان صحيحاً فصيحاً ردًّا للكلام إلى معناه ، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها ، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب نحوٌ من الذي نال سكانها . وقد رجع في قوله : { أوْ هُمْ قائِلُونَ } إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها . ولو قيل : « أو هي قائلة » كان صحيحاً إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام . فإن قال قائل : أو ليس قوله : { أوْ هُمْ قائِلُونَ } خبراً عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار ؟ قيل : بلى . فإن قال : أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالّ على الوقت ؟ قيل : إن ذلك وإن كان كذلك ، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع استثقالاً للجمع بين حرفي عطف ، إذ كان « أو » عندهم من حروف العطف ، وكذلك الواو ، فيقولون : لقيتني مملقاً أو أنا مسافر ، بمعنى : أو وأنا مسافر ، فيحذفون الواو وهم مريدوها في الكلام لما وصفت .