Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 30-30)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم مذكره نعمه علـيه : واذكر يا مـحمد ، إذ يـمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { لِـيُثْبِتُوكَ } فقال بعضهم : معناه : لـيقـيدوك . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ } يعنـي : لـيوثقوك . قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { لِـيُثْبِتُوكَ } لـيوثقوك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ … } الآية ، يقول : لـيشدّوك وثاقاً ، وأرادوا بذلك نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ بـمكة . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ومِقْسم ، قالا : قالوا : أوثقوه بـالوثاق حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { لِـيُثْبِتُوكَ } قال : الإثبـات : هو الـحبس والوثاق . وقال آخرون : بل معناه الـحبس . ذكر من قال ذلك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن قوله : { لِـيُثْبِتُوكَ } قال : يَسجنوك . وقالها عبد الله بن كثـير . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قالوا : اسجنوه وقال آخرون : بل معناه : لـيسحروك . ذكر من قال ذلك . حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل البصريّ الـمعروف بـالوساوسي ، قال : ثنا عبد الـمـجيد بن أبـي روّاد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبـيد بن عمير عن الـمطلب بن أبـي وداعة ، أن أبـا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يأتـمر به قومك ؟ قال : " يُرِيدُونَ أنْ يَسْحَرُونِـي ويَقْتُلُونِـي ويُخْرِجُونِـي " فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : " ربـي " قال : نعم الربّ ربك ، فـاستوص به خيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أسْتَوْصِي بِهِ ؟ بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِـي خَيْراً " فنزلت : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ … } الآية . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال عطاء : سمعت عبـيد بن عمير يقول : لـما ائتـمروا بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه ، قال له أبو طالب : هل تدري ما ائتـمروا لك ؟ قال : " نَعَمْ " قال : فأخبره . قال : من أخبرك ؟ قال : " رَبّـي " قال : نعم الربّ ربك ، استوص به خيراً قال : " أنا أسْتَوْصِي بِهِ ، أوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بـي ؟ " وكان معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به لـيثبتوه ، كما : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنا مـحمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، عن ابن عبـاس ، قال : وحدثنـي الكلبـي ، عن زاذان مولـى أم هانىء ، عن ابن عبـاس : أن نفرا من قريش من أشراف كلّ قبـيـلة ، اجتـمعوا لـيدخـلوا دار الندوة ، فـاعترضهم إبلـيس فـي صورة شيخ جلـيـل فلـما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نـجد ، سمعت أنكم اجتـمعتـم ، فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم منـي رأي ونصح . قالوا : أجل ادخـل فدخـل معهم ، فقال : انظروا فـي شأن هذا الرجل ، والله لـيوشِكنّ أن يؤاتيكم فـي أموركم بأمره قال : فقال قائل : احبسوه فـي وثاق ، ثم تربصوا به ريب الـمنون حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ، زهير والنابغة ، إنـما هو كأحدهم قال : فصرخ عدوّ الله الشيخ النـجدي ، فقال : والله ما هذا لكم رأي ، والله لـيخرجنه ربه من مـحبسه إلـى أصحابه فلـيوشكن أن يثبوا علـيه حتـى يأخذوه من أيديكم فـيـمنعوه منكم ، فما آمن علـيكم أن يخرجوكم من بلادكم قالوا : فـانظروا فـي غير هذا . قال : فقال قائل : أخرجوه من بـين أظهركم تستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضرّكم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتـم وكان أمره فـي غيركم فقال الشيخ النـجديّ : والله ما هذا لكم برأي ، ألـم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتـم ثم استعرض العرب ، لتـجتـمعنّ علـيكم ، ثم لـيأتـينّ إلـيكم حتـى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم قالوا : صدق والله ، فـانظروا رأياً غير هذا قال : فقال أبو جهل : والله لأشيرنّ علـيكم برأي ما أراكم أبصرتـموه بعد ما أرى غيره . قالوا : وما هو ؟ قال : نأخذ من كلّ قبـيـلة غلاماً وسطاً شابـاً نهداً ، ثم يعطى كلّ غلام منهم سيفـاً صارماً ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرّق دمه فـي القبـائل كلها ، فلا أظنّ هذا الـحيّ من بنـي هاشم يقدرون علـى حرب قريش كلها ، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه . فقال الشيخ النـجديّ : هذا والله الرأي القول ما قال الفتـى ، لا أرى غيره . قال : فتفرّقوا علـى ذلك وهم مـجمعون له . قال : فأتـى جبريـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن لا يبـيت فـي مضجعه الذي كان يبـيت فـيه تلك اللـيـلة ، وأذن الله له عند ذلك بـالـخروج ، وأنزل علـيه بعد قدومه الـمدينة الأنفـال يذكره نعمه علـيه وبلاءه عنده : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ وَيَـمْكُرُ اللّهُ خَيْرُ واللَّهُ الـمَاكِرِينَ } وأنزل فـي قولهم : « تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ » حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : { أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَربَّصُ بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ } وكان يسمى ذلك الـيوم : « يوم الزحمة » للذي اجتـمعوا علـيه من الرأي . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ومقسم ، فـي قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ } قالا : تشاوروا فـيه لـيـلة وهم بـمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأوثقوه بـالوثاق وقال بعضهم : بل اقتلوه وقال بعضهم : بل اخرجوه فلـما أصبحوا رأوا علـيًّا رضي الله عنه ، فردّ الله مكرهم . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنـي أبـي ، عن عكرمة ، قال : لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلـى الغار ، أمر علـيّ بن أبـي طالب ، فنام فـي مضجعه ، فبـات الـمشركون يحرسونه . فإذا رأوه نائماً حسبوا أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فتركوه . فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه وهم يحسبون أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فإذا هم بعلـيّ ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري . قال : فركبوا الصعب والذَّلول فـي طلبه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : أخبرنـي عثمان الـجريري : أن مقسماً مولـى ابن عبـاس أخبره عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ } قال : تشاورت قريش لـيـلة بـمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بـالوثاق يريدون النبـيّ صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : بل اقتلوه وقال بعضهم : بل اخرجوه فأطلع الله نبـيه علـى ذلك ، فبـات علـيّ رضي الله عنه علـى فراش النبـيّ صلى الله عليه وسلم تلك اللـيـلة ، وخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم حتـى لـحق بـالغار ، وبـات الـمشركون يحرسون علـيًّا ، يحسبون أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم . فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه ، فلـما رأوه علـيًّا رضي الله عنه ، ردّ الله مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري . فـاقتصوا أثره فلـما بلغوا الـجبل ومرّوا بـالغار ، رأوا علـى بـابه نسج العنكبوت ، قالوا : لو دخـل ههنا لـم يكن نَسْجٌ علـى بـابه فمكث فـيه ثلاثاً . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ } قال : اجتـمعت مشيخة قريش يتشاورون فـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعدما أسلـمت الأنصار وفرقوا أن يتعالـى أمره إذا وجد ملـجأ لـجأ إلـيه . فجاء إبلـيس فـي صورة رجل من أهل نـجد ، فدخـل معهم فـي دار الندوة فلـما أنكروه قالوا : من أنت ؟ فوالله ما كلّ قومنا أعلـمناهم مـجلسنا هذا قال : أنا رجل من أهل نـجد أسمع من حديثكم وأشير علـيكم . فـاستـحيوا فخـلوا عنه . فقال بعضهم : خذوا مـحمداً إذا اصطبح علـى فراشه ، فـاجعلوه فـي بـيت نتربص به ريب الـمنون والريب : هو الـموت ، والـمنون : هو الدهر قال إبلـيس : بئسما قلت ، تـجعلونه فـي بـيت فـيأتـي أصحابه فـيخرجونه فـيكون بـينكم قتال قالوا : صدق الشيخ . قال : أخرجوه من قريتكم قال إبلـيس : بئسما قلت ، تـخرجونه من قريتكم وقد أفسد سفهاءكم فـيأتـي قرية أخرى فـيفسد سفهاءهم فـيأتـيكم بـالـخيـل والرجال . قالوا : صدق الشيخ . قال أبو جهل ، وكان أولاهم بطاعة إبلـيس : بل نعمد إلـى كلّ بطن من بطون قريش ، فنـخرج منهم رجلاً فنعطيهم السلاح ، فـيشدّون علـى مـحمد جميعاً فـيضربونه ضربة رجل واحد ، فلا يستطيع بنو عبد الـمطلب أن يقتلوا قريشاً ، فلـيس لهم إلاَّ الدية . قال إبلـيس : صدق ، وهذا الفتـى هو أجودكم رأياً . فقاموا علـى ذلك ، وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فنام علـى الفراش ، وجعلوا علـيه العيون . فلـما كان فـي بعض اللـيـل ، انطلق هو وأبو بكر إلـى الغار ، ونام علـيّ بن أبـي طالب علـى الفراش ، فذلك حين يقول الله : { لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ } والإثبـات : هو الـحبس والوثاق ، وهو قوله : { وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإذَنْ لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } يقول : يهلكهم . فلـما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة لقـيه عمر ، فقال له : ما فعل القوم ؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم ، وكذلك كان يصنع بـالأمـم ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : « أخِّرُوا بـالقِتالِ » . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ } قال : كفـار قريش أرادوا ذلك بـمـحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد نـحوه . حدثنـي ابن وكيع ، قال : ثنا هانىء بن سعيد ، عن حجاج ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد نـحوه إلاَّ أنه قال : فعلوا ذلك بـمـحمد . حدثنـي مـحمد بن سعد قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ … } الآية ، هو النبـيّ صلى الله عليه وسلم مكروا به وهو بـمكة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ … } إلـى آخر الآية ، قال : اجتـمعوا فتشاوروا فـي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : اقتلوا هذا الرجل فقال بعضهم : لا يقتله رجل إلاَّ قُتل به قالوا : خذوه فـاسجنوه واجعلوا علـيه حديداً قالوا : فلا يدعكم أهل بـيته . قالوا : أخرجوه قالوا : إذا يستغويَ الناس علـيكم . قال : وإبلـيس معهم فـي صورة رجل من أهل نـجد . واجتـمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البـيت ويستسلـم أن يجتـمعوا علـيه فَـيَعموه ويقتلوه ، فإنه لا يدري أهله من قتله ، فـيرضون بـالعقل فنقتله ونستريح ونعقله . فلـما أن جاء يطوف بـالبـيت اجتـمعوا علـيه ، فعموه . فأتـى أبو بكر ، فقـيـل له ذاك ، فأتـى فلـم يجد مدخلاً فلـما أن لـم يجد مدخلاً ، قال : { أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّـي الله وقَدْ جَاءَكُمْ بـالبَـيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } ؟ قال : ثم فرجها الله عنه فلـما أن كان اللـيـل أتاه جبريـل علـيه السلام ، فقال : من أصحابك ؟ فقال : فلان وفلان وفلان . فقال : لا نـحن أعلـم بهم منك يا مـحمد ، هو ناموس لـيـل قال : وأخذ أولئك من مضاجعهم وهم نـيام . فأتـى بهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فقدم أحدهم إلـى جبريـل ، فكحله ، ثم أرسله ، فقال : " ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ ؟ " قال : كفـيته يا نبـيّ الله . ثم قدم آخر فنقر فوق رأسه بعصا نقرة ، ثم أرسله فقال : " ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ ؟ " فقال : كفـيته يا نبـيّ الله . ثم أتـي بآخر فنقر فـي ركبته ، فقال : " ما صُورَتُه يا جِبْرِيـلُ ؟ " قال : كفـيته . ثُم أتـي بآخر ، فسقاه مذقة ، فقال : " ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ ؟ " قال : كفـيته يا نبـيّ الله . وأتـي بـالـخامس . فلـما غدا من بـيته مرّ بنبّـال ، فتعلق مشقص بردائه فـالتوى ، فقطع الأكحل من رجله . وأما الذي كحلت عيناه فأصبح وقد عمي وأما الذي سقـي مذقة فأصبح وقد استسقـى بطنه وأما الذي نقر فوق رأسه فأخذته النقدة والنقدة : قرحة عظيـمة أخذته فـي رأسه وأما الذي طعن فـي ركبته ، فأصبح وقد أقعد . فذلك قول الله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُون ويَـمْكُرُ اللّهُ واللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : { ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ } : أي فمكرت لهم بكيدي الـمتـين حتـى خـلصتك منهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { وَإذْ يَـمْكُرُ بك الَّذِينَ كَفَرُوا } قال : هذه مكية . قال ابن جريج : قال مـجاهد : هذه مكية . فتأويـل الكلام إذن : واذكر يا مـحمد نعمتـي عندك بـمكري بـمن حاول الـمكر بك من مشركي قومك ، بإثبـاتك ، أو قتلك ، أو إخراجك من وطنك ، حتـى استنقذتك منهم وأهلكتهم ، فـامْضِ لأمري فـي حرب من حاربك من الـمشركين ، وتولـى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القـيـم ، ولا يرعبنك كثرة عددهم ، فإن ربك خير الـماكرين بـمن كفر به وعبد غيره وخالف أمره ونهيه . وقد بـيَّنا معنى الـمكر فـيـما مضى بـما أغنـى عن إعادته فـي هذا الـموضع .