Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 33-34)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : تأويـله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذِّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ } : أي وأنت مقـيـم بـين أظهرهم . قال : وأنزلت هذه علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو مقـيـم بـمكة . قال : ثم خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم ، فـاستغفر من بها من الـمسلـمين ، فأنزل بعد خروجه علـيه حين استغفر أولئك بها : { وَما كانَ الله مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرونَ } . قال : ثم خرج أولئك البقـية من الـمسلـمين من بـينهم ، فعذّب الكفـار . ذكر من قال ذلك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة ، عن ابن أبزى ، قال : كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمكة ، فأنزل الله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذِّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ } . قال : فخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة ، فأنزل الله : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال : فكان أولئك البقـية من الـمسلـمين الذين بقوا فـيها يستغفرون ، يعنـي بـمكة فلـما خرجوا أنزل الله علـيه : { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ } قال : فأذن الله له فـي فتـح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبـي مالك ، فـي قوله : { وَما كانَ الله لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ } يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم . { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعنـي : من بها من الـمسلـمين . { وَمَا لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } يعنـي مكة ، وفـيها الكفـار . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن حصين ، عن أبـي مالك ، فـي قول الله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ } يعنـي : أهل مكة . { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ } وفـيهم الـمؤمنون ، يستغفرون يغفر لـمن فـيهم من الـمسلـمين . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا إسحاق بن إسماعيـل الرازي وأبو داود الـحفري ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : بقـية من بقـي من الـمسلـمين منهم ، فلـما خرجوا ، قال : { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } . قال : ثنا عمران بن عيـينة ، عن حصين ، عن أبـي مالك : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ } قال : أهل مكة . وأخبرنا أبـيّ ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : الـمؤمنون من أهل مكة . { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ } قال : الـمشركون من أهل مكة . قال : ثنا أبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : الـمؤمنون يستغفرون بـين ظهرانـيهم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يقول : الذين آمنوا معك يستغفرون بـمكة ، حتـى أخرجك والذين آمنوا معك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال : ابن عبـاس : لـم يعذّب قرية حتـى يخرج النبـيّ منها والذين آمنوا معه ويـلـحقه بحيث أمر . { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعنـي الـمؤمنـين . ثم عاد إلـى الـمشركين ، فقال : { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ } قال : يعنـي أهل مكة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كان الله لـيعذّب هؤلاء الـمشركين من قريش بـمكة وأنت فـيهم يا مـحمد ، حتـى أخرجك من بـينهم . { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ } وهؤلاء الـمشركون يقولون : يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معانـي الاستغفـار بـالقول . قالوا : وقوله : { وَما لهُمْ ألاَّ يُعَذُّبَهُمُ اللّهُ } فـي الآخرة . ذكر من قال ذلك . حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا عكرمة ، عن أبـي زميـل ، عن ابن عبـاس : إن الـمشركين كانوا يطوفون بـالبـيت يقولون : لبـيك لا شريك لك لبـيك ، فـيقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم : « قَدْ قَدْ » فـيقولون : لا شريك لك إلاَّ شريك هو لك تـملكه وما ملك ، ويقولون : غفرانك غفرانك . فأنزل الله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . فقال ابن عبـاس : كان فـيهم أمانان : نبـيّ الله والاستغفـار ، قال : فذهب النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وبقـي الاستغفـار . { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاَّ الـمُتَّقُونَ } قال : فهذا عذاب الآخرة ، قال : وذاك عذاب الدنـيا . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو معشر ، عن يزيد بن رومان ومـحمد بن قـيس قالا : قالت قريش بعضها لبعض : مـحمد أكرمه الله من بـيننا { اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأمْطِرْ عَلَـيْنا … } الآية فلـما أمسوا ندموا علـى ما قالوا ، فقالوا : غفرانك اللهمّ فأنزل الله : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ … } إلـى قوله : لا يَعْلَـمُونَ . حدثنـي ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كانوا يقولون يعنـي الـمشركين : والله إن الله لا يعذّبنا ونـحن نستغفر ، ولا يعذّب أمة ونبـيها معها حتـى يخرجه عنها وذلك من قولهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بـين أظهرهم ، فقال الله لنبـيه صلى الله عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرّتهم واستفتاحهم علـى أنفسهم ، { إذ قالوا اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ } كما أمطرتها علـى قوم لوط ، وقال حين نعى علـيهم سوء أعمالهم : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي بقولهم ، وإن كانوا يستغفرون كما قال : { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرامِ } من آمن الله وعبده ، أي أنت ومن تبعك . حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار ، قال : ثنا أبو بردة ، عن أبـي موسى ، قال : إنه كان فـيكم أمانان : قوله : { ومَا كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : أما النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى ، وأما الاستغفـار فهو دائر فـيكم إلـى يوم القـيامة . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا يونس بن أبـي إسحاق ، عن عامر أبـي الـخطاب الثوريّ قال : سمعت أبـا العلاء يقول : كان لأمة مـحمد صلى الله عليه وسلم أمَنتان : فذهبت إحداهما ، وبقـيت الأخرى : { وَما كانَ اللهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ … } الآية . وقال آخرون : معنى ذلك : وما كان الله لـيعذّبهم وأنت فـيهم يا مـحمد ، وما كان الله معذّب الـمشركين وهم يستغفرون ، أي : لو استغفروا . قالوا : ولـم يكونوا يستغفرون فقال جلّ ثناؤه إذ لـم يكونوا يستغفرون : { وَمالَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ } . ذكر من قال ذلك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : إن القوم لـم يكونوا يستغفرون ، ولو كانوا يستغفرون ما عذّبوا . وكان بعض أهل العلـم يقول : هما أمانان أنزلهما الله ، فأما أحدهما فمضى نبـيّ الله ، وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بـين أظهركم ، الاستغفـار والتوبة . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : قال الله لرسوله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يقول : ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون ، ولو استغفروا وأقرّوا بـالذنوب لكانوا مؤمنـين ، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون ، وما لهم ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن مـحمد وعن الـمسجد الـحرام حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَمَا كانَ الله مُعَذّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون } قال : يقول : لو استغفروا لـم أعذّبهم . وقال آخرون : معنى ذلك : وما كان الله لـيعذّبهم وهم يسلـمون . قالوا : واستغفـارهم كان فـي هذا الـموضع : إسلامهم . ذكر من قال ذلك . حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : ثنا عبد الـملك بن الصبـاح ، قال : ثنا عمران بن حدير ، عن عكرمة ، فـي قوله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال : سألوا العذاب ، فقال : لـم يكن لـيعذبهم وأنت فـيهم ، ولـم يكن لـيعذّبهم وهم يدخـلون فـي الإسلام . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وأنْتَ فِـيهمْ } قال : بـين أظهرهم . وقوله : { وَهُمْ يَسْتَغْفِروُنَ } قال : يسلـمون . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وما كان الله لـيعذبهم وأنت فـيهم } بـين أظهرهم { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : وهم يسلـمون . { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ } . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا مـحمد بن عبـيد الله ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ } قال : بـين أظهرهم . { وَما كان اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهم يَسْتَغْفِرُونَ } قال : دخولهم فـي الإسلام . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفـيهم مَن قد سبق له من الله الدخول فـي الإسلام . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ } يقول : ما كان الله سبحانه يعذّب قوما وأنبـياؤهم بـين أظهرهم حتـى يخرجهم . ثم قال : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون } َ يقول : ومنهم من قد سبق له من الله الدخول فـي الإيـمان ، وهو الاستغفـار ، ثم قال : { وَمالَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } فعذّبهم يوم بدر بـالسيف . وقال آخرون : بل معناه : وما كان الله معذّبهم وهم يصلّون . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعنـي : يصلون ، يعنـي بهذا أهل مكة . حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ ، قال : ثنا حسين الـجعفـيّ ، عن زائدة ، عن منصور ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : يصلون . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ } يعنـي : أهل مكة ، يقول : لـم أكن لأعذّبكم وفـيكم مـحمد . ثم قال : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعنـي : يؤمنون ويصلون . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال : وهم يصلون . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كان الله لـيعذّب الـمشركين وهم يستغفرون . قالوا : ثم نسخ ذلك بقوله : { وَمالَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ } . ذكر من قال ذلك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الـحسين بن واقد ، عن يزيد النـحويّ ، عن عكرمة والـحسن البصريّ ، قالا : قال فـي الأنفـال : { وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فنسختها الآية التـي تلـيها : { وَمالَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ … } إلـى قوله : { فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ } فقوتلوا بـمكة ، وأصابهم فـيها الـجوع والـحصر . وأولـى هذه الأقوال عندي فـي ذلك بـالصواب قول من قال : تأويـله : وما كان الله لـيعذبهم وأنت فـيهم يا مـحمد وبـين أظهرهم مقـيـم ، حتـى أخرجك من بـين أظهرهم لأنـي لا أهلك قرية وفـيها نبـيها . وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم ، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك ، بل هم مصرّون علـيه ، فهم للعذاب مستـحقون ، كما يقال : ما كنت لأحسن إلـيك وأنت تسيء إلـيّ ، يراد بذلك : لا أحسن إلـيك إذا أسأت إلـيّ ولو أسأت إلـيّ لـم أحسن إلـيك ، ولكن أحسن إلـيك لأنك لا تسيء إلـيّ وكذلك ذلك . ثم قـيـل : { وَمالَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ } بـمعنى : وما شأنهم وما يـمنعهم أن يعذّبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فـيؤمنوا به ، وهم يصدّون الـمؤمنـين بـالله ورسوله عن الـمسجد الـحرام . وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ، لأن القوم أعنـي مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب ، فقالوا : اللهمّ إن كان ما جاء به مـحمد هو الـحقّ ، فأمطر علـينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألـيـم فقال الله لنبـيه : ما كنت لأعذّبهم وأنت فـيهم وما كنت لأعذّبهم لو استغفروا ، وكيف لا أعذّبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام فأعلـمه جلّ ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل ، وأعلـمهم حال نزوله بهم ، وذلك بعد إخراجه إياه من بـين أظهرهم . ولا وجه لإيعادهم العذاب فـي الآخرة ، وهم مستعجلوه فـي العاجل ، ولا شكّ أنهم فـي الآخرة إلـى العذاب صائرون ، بل فـي تعجيـل الله لهم ذلك يوم بدر الدلـيـل الواضح علـى أن القول فـي ذلك ما قلنا . وكذلك لا وجه لقول مَن وجَّه قوله : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } إلـى أنه عنـي به الـمؤمنـين ، وهو فـي سياق الـخبر عنهم وعما الله فـاعل بهم ، ولا دلـيـل علـى أن الـخبر عنهم قد تقضَّى ، وعلـى أن ذلك به عنوا ، ولا خلاف فـي تأويـله من أهله موجود . وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال : ذلك منسوخ بقوله : { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ … } الآية ، لأن قوله جلّ ثناؤه : { وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } خبر ، والـخبر لا يجوز أن يكون فـيه نسخ ، وإنـما يكون النسخ للأمر والنهي . واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول « أن » فـي قوله : { وَما لَهُمْ ألاَّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } فقال بعض نـحويـي البصرة : هي زائدة ههنا ، وقد عملت كما عملت « لا » وهي زائدة ، وجاء فـي الشعر : @ لَوْ لَـمْ تكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنُوبَ لَهَا إلـيَّ لامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا @@ وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربـية ، وقال : لـم تدخـل « أن » إلاَّ لـمعنى صحيح ، لأن معنى وَما لَهُمْ ما يـمنعهم من أن يعذّبوا ، قال : فدخـلت « أن » لهذا الـمعنى ، وأخرج ب « لا » ، لـيعلـم أنه بـمعنى الـجحد ، لأن الـمنع جحد . قال : و « لا » فـي البـيت صحيح معناها ، لأن الـجحد إذا وقع علـيه جحد صار خبراً . وقال : ألا ترى إلـى قولك : ما زيد لـيس قائما ، فقد أوجبت القـيام ؟ قال : وكذلك « لا » فـي هذا البـيت . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنَّ أوْلِـياؤُهُ إلاَّ الـمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ } . يقول تعالـى ذكره : وما لهؤلاء الـمشركين ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام ، ولـم يكونوا أولـياء الله { إنْ أوْلِـيَاؤُهُ } يقول : ما أولـياء الله إلاَّ الـمتقون ، يعنـي : الذين يتقون الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه . { وَلكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ } يقول : ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن أولـياء الله الـمتقون ، بل يحسبون أنهم أولـياء الله . وبنـحو ما قلنا قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاَّ الـمُتَّقُونَ } هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاَّ الـمُتَّقُونَ } مَن كانوا وحيث كانوا . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاَّ الـمُتَّقُونَ } الذين يخرجون منه ، ويقـيـمون الصلاة عنده ، أي : أنت يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومن آمن بك . { وَلكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ } .